وزير الدولة للشؤون الخارجية: الحوار أساس معالجة القضايا والمشاكل التي تواجه العالم

news image

الدوحة/المكتب الإعلامي/ 21 نوفمبر 2016/ أكد سعادة السيد سلطان بن سعد المريخي وزير الدولة للشؤون الخارجية على أن دولة قطر تؤمن بأن الحوار هو المبدأ الأساسي في معالجة القضايا والمشاكل، وهو السبيل الأمثل لتبادل وجهات النظر في التحديات السياسية التي تواجه العالم، وهو المرشد إلى تحقيق التسويات الوطنية من أجل تحقيق الاستقرار، ومن ثم ترسيخ حكم القانون وإقامة الحكم الراشد.

وأشار سعادته في كلمة له أمام مؤتمر السياسات العالمية التاسع الذي يعقد بالدوحة حاليا إلى أن التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم، تحديات عديدة، وظلت مستمرة ومتوسعة ومتجددة، وتزداد كل يوم تعقيدا وتركيبا ، الأمر الذي يتطلب منا التعاون الجماعي من أجل بناء السلام العالمي.

وقال المريخي "نحن في دولة قطر، دعاة سلام أولا وأخيرا ، نؤمن بالمصير المشترك لشعوب الأرض، وبالأصول الإنسانية التي تجمع بين الناس بغض النظر عن أعراقهم وأديانهم ولغاتهم وثقافاتهم. وننطلق في رؤيتنا بأن الناس جميعا شركاء في حق الحياة وفي ملكية كوكبنا، وأن إثراء الحياة وحماية كوكبنا، عبر مواجهة التحديات وتصميم الحلول وبناء القيم الإنسانية، هو مسؤولية جماعية، موضحا أن "لقاءنا اليوم، للنظر والتحاور حول السياسات العالمية، هو واجب تحتمه تحديات الواقع الراهن، ومسؤولية نريد لها أن تخاطب البناء الجماعي للمستقبل وتصب في بناء القيم الإنسانية المشتركة".

وأضاف سعادة وزير الدولة للشؤون الخارجية أن مخاطر عدم الاستقرار وغياب حكم القانون في أي مكان، تنتقل آثارها وتلقي بظلالها على الدول والمجتمعات مهما كانت المسافات الفاصلة، لافتا إلى أن آثار القضايا السياسية مثل الصراعات والنزاعات والتطرف وغياب الحوكمة السياسية الرشيدة، وبالتالي عدم الاستقرار وغياب حكم القانون، أصبحت عابرة للأمكنة والثقافات.

وبين سعادته أن الصراعات والنزاعات لا تنحصر آثارها في حيز جغرافي معين وإنما تجتاز الحدود، لتصبح من مهددات الأمن والاستقرار والسلام العالمي. ولهذا فإن دولة قطر وهي "مصممة على أن تكون قوة للخير في العالم"، درجت على السعي لتحقيق الاستقرار في العديد من مناطق العالم التي تشهد صراعات ونزاعات، عبر الوساطة الحميدة، من أجل تهيئة الأجواء لتحقيق المصالحات والتسويات الوطنية الشاملة.

كما أوضح أن دولة قطر عملت على تقديم مساعدات هامة للبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية ما بعد النزاع، ودعمت عمليات الإصلاح في أكثر من بلد، وذلك إيمانا منها بأن التوافق والتسويات الوطنية الشاملة هي الطريق لتحقيق الاستقرار وتهيئة الأرض لحكم القانون، وهي الضامن لعملية الأمن والاستقرار.

وتابع سعادة وزير الدولة للشؤون الخارجية أن ما تعيشه المنطقة العربية من حالة عدم استقرار سياسي، يشكل قلقا كبيرا بالنسبة لنا ، وبالطبع تتباين الأسباب من بلد لآخر، مضيفا "غالبا ما نجد حكم القانون غائبا أو مغيبا، حيثما كانت هناك نزاعات عرقية أو طائفية، وحركات متطرفة، وتعصب قبلي، وإرهاب، وحروب. إن هذه الصراعات تتغذى من غياب حكم القانون. وغياب حكم القانون يغذي بدوره موجة من الإرهاب في كامل المنطقة، وفي أطرافها أيضا.

ولفت سعادة وزير الدولة للشؤون الخارجية إلى أن بلدانا بأكملها يقع تدميرها، وشعوب بأسرها تهجر، فتلجأ، تحت الضغط، وفرارا من الموت، إلى مناطق أخرى، ومنها أوروبا، القريبة من منطقتنا، موضحا سعادته أن هذا لا يحل المشكلة، بل قد يساهم في خلق مشاكل أخرى.

كما نوه سعادته بأن عدم حل القضية الفلسطينية منذ عام 1948، لم يجعل اللاجئين الفلسطينيين ينسون القرى والمدن التي هاجر منها آباؤهم وأجدادهم متسائلا: ألم يحن الوقت بعد لتعترف الأسرة الدولية بحق دولة فلسطين المستقلة في الوجود، بعاصمتها القدس الشريف؟.

وأكد المريخي أن الصراع المستمر في فلسطين منذ 68 سنة، جوهره أيضا قانوني، موضحا أن إسرائيل لا تزال ترفض الانصياع للقانون الدولي وتنفيذ قرارات متتالية صادرة عن مجلس الأمن. وقد فضلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استعمال القوة والعنف ضد الشعب الفلسطيني، عوض الاستجابة لمطالبه الشرعية التي يدعمها القانون الدولي.

وفيما يتعلق باليمن، قال سعادة السيد سلطان بن سعد المريخي "حدث انقلاب على حكومة شرعية منتخبة. وهنا أيضا نجد جوهر القضية قانونيا. فما كانت الحرب التي تدور رحاها إلى اليوم، لتحدث، لو لم يعتد الانقلابيون على القانون الذي يوجب احترام الحكومة الشرعية".

وأشار سعادته إلى سوريا، حيث أوضح أن مظاهرات سلمية تطالب بالإصلاح والحريات الأساسية، انقلبت إلى حالة حرب أهلية مستمرة منذ خمس سنوات، لأن السلطة رفضت أن تحترم حتى قوانينها الخاصة، فضلا عن مبادئ حقوق الإنسان، وتستجيب لمطالب شعبها. وفضلت بدلا عن ذلك التعامل مع المتظاهرين السلميين بالقوة العسكرية.

وأضاف: إن هذه البلدان وسواها، تحتاج منا جميعا إلى وقفة جدية، لمحاسبة أنفسنا أولا: ما هو دورنا؟ وهل فعلنا كل ما في وسعنا لإيقاف الدمار وإعادة الأمل والاستقرار إلى الشعوب؟ وإذا لم تتضافر جهودنا جميعا، اليوم، فمتى سنفعل ذلك؟ أليست سلبية القادر على التغيير وزرع الأمل هي المجند الحقيقي للإرهابيين؟ إني أدعوكم للتفكير في ذلك.

وبين سعادته أن كل حالة من هذه الحالات التي ذكرت نجد القانون مداسا، وحيث يداس القانون، تولد الفوضى. مؤكدا أنه لا يمكن "تنظيم الفوضى لا على المستوى المحلي ولا على المستوى الدولي، وإنما فقط إيقافها، عبر تحقيق التسوية الوطنية الشاملة وإعادة حكم القانون. وليس هناك مخرج آخر لكل هذه النزاعات.

كما لفت إلى أن الفوضى السياسية التي تصنعها أو تساهم في صنعها بعض القوى الإقليمية والعالمية، أدت إلى تآكل سيادة الدول الضعيفة، وعدم قدرتها على الصمود دفاعا عن حق المواطن في العيش الكريم ، فهذا ما يحدث حقيقة في العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، وفلسطين، وغيرها.

وشدد سعادة السيد سلطان بن سعد المريخي وزير الدولة للشؤون الخارجية على أن سلبية بعض القوى في التعامل مع هذه الأزمات، أو معاييرها المزدوجة، هي بنفس القدر من الخطورة، التي نجدها في تحريض قوى أخرى لأطراف النزاع، من أجل تحقيق مصالح أنانية، أو أطماع توسعية أو سواها.

ودعا سعادته إلى محادثات سلام في منطقة الشرق الأوسط من أجل وضع حد للقتال الدائر والتوجه نحو التنمية وتحقيق الازدهار في المنطقة كما دعا إلى استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، من أجل حل نهائي وشامل وعادل للصراع، تحت إشراف الأمم المتحدة، على أساس القرارين 242 و338 والتوصيات والقرارات ذات الصلة.

وقال سعادة السيد سلطان بن سعد المريخي "نؤيد خطة السلام العربية، وسبق أن أعلنا تأييدنا لمساعي السلام الفرنسية، لاسيما استصدار قرار عن مجلس الأمن، يحدد أطر اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين".

كما أكد سعادته الحرص على استكمال التفاوض حول الأزمة السورية، على الأقل للوصول إلى نتائج تحمي المدنيين وتوقف الدمار والقتل، والبدء في تأسيس مسار سياسي على أساس ما تم التوصل إليه منذ جنيف-1، بما يحفظ وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها، ويعيد الأمن والأمان إلى ربوعها. مضيفا "ونحن واعون أنه لا يوجد حل عسكري لهذه الأزمة، كما لا يوجد حل عسكري للأزمة في اليمن أو ليبيا أيضا".

كما دعا سعادته اليمنيين إلى استئناف المحادثات التي شُرع بها في الكويت، مشددا على ضرورة وقف الأعمال العدائية من أجل إنجاحها، والتجاوب مع الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة. فلا يمكن فرض أي حل بالقوة، ولا مفر بالتالي من تقديم التنازلات، والتصالح على أساس المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة، ولاسيما القرار 2216.

ووجه سعادة وزير الدولة للشؤون الخارجية الدعوة أيضا إلى الليبيين لتغليب العقل والمصلحة الوطنية، على التناحر القبلي والمصالح الأنانية، والتكاتف والالتفاف حول حكومة الوحدة الوطنية التي تحظى بدعم دولي. 

وأوضح سعادة السيد سلطان بن سعد المريخي أن دولة قطر لا تزال تعمل من أجل ترسيخ ثقافة الحوار والتعاون، وسياسات الإدماج والتشاور، وتحقيق الوفاق الوطني الذي دونه لا سبيل إلى استقرار أو تنمية،   مضيفا "أن إيماننا بالسلام هو إيمان بحق الحياة، المحكوم بسيادة القانون. فدولة قطر تؤمن بأن سيادة القانون هي المبدأ الأساس الذي يقام عليه الصرح الوطني لأي دولة، بل هي المبدأ الذي يفترض أن تقوم عليه العلاقات بين الدول".

وأعرب سعادته عن استنكاره الشديد وإدانته لتدخلات بعض القوى الإقليمية أو الدولية في الشؤون الداخلية لبلدان منطقتنا، دون وجه حق، ودون توكيل من هيئة قانونية دولية، مؤكدا أن هذه الممارسات هي التي ساهمت في زرع الفتن وأمدت المتطرفين والإرهابيين  بغض النظر عن مزاعمهم الدينية والمذهبية  بالوقود الذي أحرقوا به مدنا بأكملها ودمروا الحياة في كل مكان اجتاحوه.

وأشار سعادته إلى استمرار دولة قطر في التعاون مع حلفائها وأصدقائها لمكافحة الإرهاب، وضربه، وردع المعتدين، حيثما وجدوا، معبرا عن إيمان دولة قطر ، بأن الإرهاب لا يفرق.. وليس له وطن محدد أو ثقافة معينة، موضحا سعادته أن هزيمة الإرهاب وتجفيف منابعه يتطلبان استراتيجيات دولية فاعلة وملزمة، تأخذ بالاعتبار دراسة جذور التطرف ومسبباته، وفي مقدمتها الفقر والجهل والبطالة والتهميش، وغيرها من الأمراض الاجتماعية والاقتصادية التي ساهمت في تغذيته، بالإضافة إلى التدخلات الأجنبية لاستغلال الصراعات المحلية، وغياب سلطة القانون. وفي ختام كلمته تقدم سعادة وزير الدولة للشؤون الخارجية بالشكر للحضور، مشيرا إلى أن الغرض من استضافة المؤتمر هو نفس غرض أصدقائنا في فرنسا، الذين ينظمونه منذ عام 2008، وهو: تعزيز الحوار والتعاون مع قادة العالم وحكمائه، وكل الذين يمارسون تأثيرا على حاضرنا ومستقبلنا الجماعي، كبشر، بغض النظر عن انتماءاتنا وجنسياتنا ـ التعاون والحوار من أجل "عالم أكثر انفتاحا وأكثر ازدهارا وأكثر عدلا وأكثر احتراما لتنوع الدول والأمم".