منتدى الدوحة.. دولة قطر تؤكد على ضرورة تسوية المنازعات بالطرق السلمية
الدوحة – المكتب الإعلامي – 21 مايو
أكد سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير الخارجية، تمسكُ دولة قطر بضرورة تسوية المنازعات بالطرق السلمية، خاصة طريق الوساطة، الذي يُعَدُ من أولويات سياسة الدوحة الخارجية والذي تتحرك بموجبِها في علاقاتها الإقليمية والدولية طبقاً لما يقرّره القانون الدولي ومبادئ العدالة.
وأشار سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في كلمته أمام منتدى الدوحة في دورته السادسة عشرة الذي يقام حاليا في الدوحة ويستمر ثلاثة أيام، إلى أن ذلك يأتي انطلاقاً من القناعة الراسخة لدولة قطر تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بنبذِ اللجوء إلى القوة وأساليب الضغط والإكراه لحل النزاعات.
وأوضح سعادة وزير الخارجية أن الرعايةَ الكريمة والدعم المستمر من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى لهذا المنتدى جعلته واحداً من أهم المحافل التي تبحث بعمق في مختلف المستجدات والتطورات، وتسهم بوعي في مواجهة التحديات والأزمات والعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار، اللذان أضحيا قيمةً مطلوبة أكثرَ من أي وقتٍ مضى.. مشيرا إلى أن ما يشهدهُ العالم من أزمات يفرضُ الاستفادة من فرص التشاورِ بين السياسيين ورجال الفكر في شتى المجالات لوضع الحلول الناجعة لتحقيق الاستقرار والأمن للشعوب والدول.
وقال سعادته:"لأسباب مفهومة، أصبحت مصطلحات "السلم والاستقرار والأمن" هي الأكثر استخداما في لغة السياسة هذه الأيام، وأصبحت تُنافِس مصطلحاتِ "الكرامةِ والعدالةِ والحرية".. منوها بأنه في ظل التحولات الإقليمية والعالمية تحاول قُوى سياسية فرض تناقض بين هذه المفاهيم، بينما يكمن التحدي في إظهار التكامل الضروري بينها، وأنَّ السلمَ الحقيقي هو ذلك القائم على العدل وليس على القمع والظلم.. كما أن المفهوم الضيق للأمن لا يلبثْ أن يُشكلَ خطراً على الأمن ذاته.
وأضاف سعادة وزير الخارجية أنه مثلما لم يعد ممكنًا تحقيقُ التنميةِ الاقتصاديةِ بدون التنمية البشرية الشاملة، فقد أصبح من الضروري التعامل مع مفهوم الأمن الإنساني بأبعاده كافة: الاقتصادية والسياسية والبيئية والمجتمعية، ومن واجبِ الدولة تحقيق الأمن لشعبها ومجتمعها، فهذه وظيفتُها الحصرية.
وأكد أن المهمة /تحقيق الأمن/ تواجه تحدياتٍ خطيرة في العديد من مناطق العالم أبرزها الصراعات المسلحة، واستفحال ظاهرة الإرهاب والتطرف، وقضايا الفقر والبطالة، وزيادة أعداد اللاجئين، وظهور الميليشيات المسلحة خارج مؤسسات الدولة.
وأوضح أن هناك عوامل تضاعف من أضرار هذه التحديات، مثل استمرار مجلس الأمن في الانتقائية في معالجة القضايا، واعتماد بعض الدول بشكل رئيسي على القوة في حل المشاكل، ورهانُ قوى سياسية على مخاطبة المخاوف والنزعات العنصرية والطائفية التي تُغَيّب السياسة وتقودُ إلى الإقصاء أو الحرب الأهلية، وهما وجهانِ لمقاربةٍ واحدة تقوم على تقسيم المجتمعات إلى جماعاتٍ متخاصمة، وتقويضِ المواطنة كعلاقةٍ مباشِرة بين الفرد والدولة.. مشيرا إلى أنّ التصدي للتحديات التي تواجه الأمن تفرضُ مقاربةً شاملة للأمن الإنساني والمجتمعي، بما يعني إعادةُ النظر في الكثير من السياسات والممارسات.
وشدد سعادة وزير الخارجية على أهمية اتّباع أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، خاصة أن تجنب معالجة القضايا بحصرها فقط في عملية تسمى أحيانا "العملية السياسية" وأحيانا أخرى "عملية السلام"، قد يعني دون التقليل من أهميتها تركُ الضعيفِ رهينةً للقوي، وتفضيلُ إملاءاتِ القوة على مبادئ العدلِ والإنصاف.
وأكد سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير الخارجية ، في كلمته أمام منتدى الدوحة، أنّ القهرَ والاستبداد وازدواجية المعايير وانتهاكِ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية هي تهديد للأمن الإنساني.. موضحا أن الطريق الأفضل لمعالجة هذه القضايا هو الحوار السياسي والمجتمعي بأشكاله المختلفة وقنواته المتعددة للتوصل إلى أفضل السّبل للتغيير.
وقال سعادته "إن الشعوب في المنطقة العربية انتفضت عندما انسدت سبل الإصلاح، والرد الأمني عليها وَلّدَ أزماتٍ جديدة لم تكن قائمة، لذلك فإن تحقيقَ المصالحات الوطنية الشاملة في المنطقة والتوافق على عملية التغيير هو الضمان للأمن والاستقرار للشعوب.. فلا سبيل إلى ذلك سوى تغليب منطق التوافق السياسي والاجتماعي، والحوار بين الشعوب والحكومات للتَمّكُنِ من إجراء الإصلاحات التي تعكس المطالب الشعبية، وفي مقدمتها احترام حقوق الإنسان وصون كرامته وحرياته الأساسية التي أصبحت مكتسبات للإنسانية جمعاء".
ونوه سعادته بأن التوافقَ على المواطنة الكاملة المتساوية أمام القانون والانطلاق منها كمبدأ عام هو الطريق الأضمن والأكثرُ وثوقاً في إيصال أي حوار كهذا إلى نتائجَ ملموسة.
وأكد أن منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى السلام والأمن والاستقرار قبل أيّ أمرٍ آخر.. موضحا أن التهديد الرئيسي للأمن و الاستقرار فيها هو عدم إغلاق المسألة الاستعمارية، ببقاء الملف الفلسطيني مفتوحاً، واستمرار الاحتلال وممارساته دون حساب من المجتمع الدولي.. لافتا إلى أن عمليةُ السلامِ الإسرائيليةِ الفلسطينية بالرعاية الأمريكية وصلت إلى طريقٍ مسدود بسبب عدم وجود أساسٍ مُتفقٌ عليه للمفاوضات، وإخضاعِها لمنطق القوة، حيث واصلت إسرائيل التوسع وبناء المستوطنات، فأصبحت المعطيات على الأرض تبعدنا أكثرْ عن حل الدولتين.
كما أكد سعادته أن عجز المجتمع الدولي عن فرض أُسس السلامِ العادل، وتحقيقُه في منطقة الشرق الأوسط يترك الشعَب الفلسطيني رهينةَ الاحتلال، ويُبقي شعوبَ المنطقة عُرضةً لتراكمِ مشاعرِ الغضب والإحباط.
وقال سعادة وزير الخارجية "لقد طال الزمن على قضية فلسطين، وأصبح الإنسانُ العربي يحسب مراحل عمره بالانتفاضات والحروب.. لقد كَبُرَ الشبابُ العربي على مشاهد تحدي إسرائيل للعالم ببناء المستوطنات في المناطق المحتلة، وتهويدِ القدس، و مصادرة أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، ومواصلة حصار قطاع غزة وشنّ الحرب عليه كلّ بضعةِ أعوام".
وأضاف سعادته "نحن لسنا في عصر الاكتشافات الجغرافية وإبادةِ الشعوب.. فالشعب الفلسطيني متمسكٌ بحقوقهِ الوطنية الثابتة، ويربّي أبناءَه على الدفاع عنها وعدم التفريطِ بها، وحتى في مرحلة تهميش القضية الفلسطينية بسبب الإعصار الذي يعصف ببعض بلداننا، نرى أَنّ الشعوبَ العربية تَجْمَعُ على عدالة هذه القضية، وإذا كانت إسرائيل تراهن على الوقت، فالوقت يفاقم القضايا ويُعَقِدُها ، ولن يكونَ في صالح من لا يحسن استخدامَه".
وشدد سعادته على أنه "إذا أراد المجتمع الدولي تحقيقَ الأمنِ والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فلا بد من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية، بما في ذلك القدس وهضبة الجولان، والتوصلِ إلى تسويةٍ عادلةٍ وشاملةٍ ودائمة، استناداً إلى مقررات الشرعية الدولية، وحَمْلُ إسرائيل على العودة إلى مفاوضاتٍ جديةٍ وذاتَ مصداقية حول جميع قضايا الوضع النهائي، على أُسسٍ واضحة، ورفعُ الحصارِ الجائر المفروض على قطاع غزة، والوقفُ الكامل للأنشطة الاستيطانية، ودعم الجهود الدولية لإعادة إعمار ما دمرته آلةُ الحرب الإسرائيلية".
وعن الوضع في سوريا، قال سعادة وزير الخارجية إن " تقاعسَ المجتمع الدولي عن وضع حد للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، هو العاملُ الرئيسي في تأزّمِ الأوضاع هناك، وأصبح الحل النهائي للأزمة السورية مرهوناً بإرادةٍ واضحةٍ للقوى الدولية الفاعلة، بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة لكي تكون هناك جدوى للمفاوضات بين المعارضة السورية والنظام".
وشدد سعادته على أن هذه الكارثة الإنسانية لن تنتهي إذا لم تُتَّخَذ الإجراءات والتدابير التي تُلزِم النظام السوري بتنفيذ مقررات جنيف (1) التي تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وقرار مجلس الأمن الذي استند إليها.. موضحا أن الضرر الأكبر يكمن في تَعْود الناس على مشاهد القصف والموت وكأنها أمورٌ عادية.
وأعرب سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير الخارجية، في كلمته أمام منتدى الدوحة، "عن يقينه بأَنّ اليوم الذي سوف يُحاسِب فيه العالم المتحضر نفسَهُ على صمتهِ عن هذه الجريمة ليس بعيداً".
وقال سعادته "لكي لا نصمت على أخطاء الطرف المظلوم، نقول أيضاً إنّ الشعبَ السوري بعد كل هذا الثمن الذي دفعَهُ يستحقُّ قيادةً موحدةً لفصائلهِ على الأرض، بعيداً عن المصالح الضيقة التي لا تُجدي نفعا وأن التشتت والانقسامات للفصائل والتي تبلُغُ حدَ الفوضى ليس بوسعها أن تُحقق نظاماً سياسياً، ديمقراطياً أو غيرَ ديمقراطي.. لهذا، فإن التنظيم والمَأْسَسَة والتحلي بالمسؤولية الوطنية والتاريخية بالبحث عن حلولٍ سياسيةٍ تَحفَظُ وحدةَ سوريا ووحدةِ شعبها يجب أن تكون عناصر رئيسية في نضالها ضد الاستبداد".
وأكد سعادته أن التحديات المتزايدة والمتنوعة التي يشهدها العالم تَفْرِضُ على أطراف النزاعات الالتزام بأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتخفيف التوترات التي لم يجنِ العالم منها سوى المزيد من الآثار الكارثية على السْلم والأمن الدوليين.
كما أكد سعادته أنّ تحقيق تطلعات الشعوب سيؤدي إلى توفير الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي، وبالتالي فتح الأبواب أمام تحقيق التنمية المستدامة بكافة أبعادها.. مشيرا إلى أنّ أهم حلقة مفقودة لتحقيق السلم الدولي هي قاعدته الاقتصادية والاجتماعية.. فالأشكال المختلفة للظلم والاستبداد والمتمثلة بالإقصاء والتهميشِ وقمع الحريات والجهل والبطالة وانسداد الأفق السياسي والتمييز على أساس الهوية في مناطقَ عدة من العالم، تُشّكلُ أرضاً خِصبة لنشر الإرهاب.
وأضاف أنّ "عدَم التوصلِ إلى تسوياتٍ عادلةٍ للصراعات، يُضعِفُ القوى المعتدلة، وينمّي القُوى المتطرفة على المدى البعيد، لا سيما تلك التي لا تؤمنُ بالحلول والتسويات السلمية، ومن ناحية أخرى، فإن المعالجة الطارئة لمشكلة الإرهاب باستخدام المواجهة المسلحة هي عملية ضرورية لإطفاء الحرائق، ولكن إذا لم تُعالَج جذور الإرهاب، وأسباب التطرف، سَتَنتُج تداعياتٍ كارثية أكثُر تدميراً في المستقبل".
وأوضح أنه انطلاقاً من هذا المبدأ، يجب مواجهة المعايير المزدوجة باتخاذ موقفٍ حازم من مقاربة الإرهاب على أنه العنف الذي يرتكبه الآخرون، وباتخاذ موقفٍ من إرهاب الدولة والممارسات القمعية التي تقوم بها تجاه المدنيين العُزَّل والمتمثلة في العقوبات الجماعية، والقصف العشوائي للمناطق المأهولة والتهجير والتعذيب في السجون، وليس الحاصل في فلسطين وسوريا والعراق عنا ببعيد.
وقال سعادته إن "إرهاب الدولةِ يرتكب جريمتين: الأولى بحق ضحاياه الحاليين، والثانية بإنتاجه إرهابيي المستقبل لذا يجب اتخاذ خطواتٍ عمليةٍ ملموسة بنظرة شاملة لا تكتفي بالمواجهات الأمنية واتهام الآخر دائماً، وإنما تفعيل دولة القانون وحقوق المواطنة، ونشر ثقافة المصالحة والتعايش وقبول الآخر، ورفض الطائفية، والمعالجة الحقيقية لقضايا ملحة كالفقر والبطالة والجهل، والتي إذا ما تم القضاء عليها، فسوف يصبح التطرف مجرد حالات فردية".
وشدد سعادته على أنه "لا توجدُ حلولٌ سحرية للتطرف والإرهاب، بل هي مهماتٍ صعبة وشاقةٍ تحتاج إلى صبر وعمل دؤوب ، فبعض الدول الصديقة لا تنظر إلى قضايا المنطقة إلا من منطلق مكافحة الإرهاب والتطرف، في حين أنه ينبغي بحث قضايا الشعوب من منطلق أهميتها بحد ذاتها، وفي إطار شمولي، وهذا يضمن معالجة الأسباب الحقيقية للتطرف وانضمام الشباب للتنظيمات الإرهابية واستغلالهم من قبلها".
وأضاف أن "قضايا البطالة وسد السبل المتاحة أمام الشباب لتحقيق الذات، وغياب العدالة الاجتماعية هي في مقدمة الأسباب التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية لتجنيدهم من أجل الوصول إلى أهدافها غير المشروعة والمستنكرة والمدانة".
وأشار إلى أن تحقيق تطلعات الشباب من خلال إشراكهم في الشأن العام، ومساهمتهم في خدمة المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتربية الإنسان على قيم المساواة، ونبذ التمييز العنصري والطائفي والمذهبي، هي الطريق للقضاء على التطرف وسد الذرائع التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية لضم الشباب إليها.
وأعرب سعادة وزير الخارجية، في نهاية كلمته، "عن تطلعه لأن يحقق هذا المنتدى الأهداف المنشودة نظرا لأهمية القضايا والموضوعات المطروحة على أجندة أعمال هذه الدورة و المستوى الرفيع للمشاركين فيه".