معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، في جلسة حوارية مع رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس

 

بورج بريندي: مرحبا بمعالي رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر، أعتقد أنكم قد رأيته كثيرًا على قنوات مثل سي إن إن وبي بي سي والجزيرة في الأسابيع الأخيرة. مرة أخرى، أشكرك جزيل الشكر وأهنئك على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وكذلك على صفقة تبادل الرهائن، حيث أعلم أنك بذلت جهودًا كبيرة وكان لذلك تأثير بالغ. الآن، ما نفكر فيه جميعًا هو: ما هي الخطوات التالية؟ ما هي الإجراءات التي تم الاتفاق عليها في هذا الصدد؟

 

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: شكرًا جزيلاً لك، بورج ، على استضافتي هنا في دافوس مرتين لهذا العام. آمل ألا يمل جمهورك من رؤيتي. أولاً وقبل كل شيء، كما تعلمون، نود أن نحتفل بما حققناه في الأيام القليلة الماضية في محاولة لوضع حد لهذه الحرب التي استمرت لمدة 15 شهرًا، أو على الأقل، كما نأمل، بداية النهاية. كان ذلك بفضل الشراكة الوثيقة التي تجمعنا مع الوسطاء، مثل الولايات المتحدة ومصر، والتي أثمرت عن عمل جماعي حقيقي. لقد شهدنا هذا التعاون، خاصة في الأيام القليلة الماضية، حيث تمكنا من الوصول إلى هذه النقطة.

كما نقدر الدور الحاسم الذي لعبته إدارة الرئيس ترامب في هذا السياق، وبفضل المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، تمكنا من العمل معًا عن كثب لتحقيق هذا التقدم. كما أود أن أشكر المنطقة على دعمها المستمر طوال هذا الجهد، حيث بذلت كل ما في وسعها لضمان أن يبقى المجتمع الدولي على علم بما يحدث ومحاولة إنهاء هذا النزاع بكل الوسائل الممكنة.

نحن متفائلون الآن. نشعر بالسعادة لرؤية بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، وسعداء برؤية أهل غزة يستشعرون بعض الراحة، وكذلك بعودة الرهائن إلى عائلاتهم. نأمل أن يستمر هذا الوضع ويصمد حتى النهاية، وأن نتمكن من الانتقال إلى المرحلة الثانية والثالثة نحو تحقيق وقف دائم لإطلاق النار.

بالطبع، هناك العديد من الأسئلة حول كيفية ضمان استمرار هذا التقدم وتنفيذ الاتفاق. أول شيء يجب أن نركز عليه هو أن جميع الأطراف المعنية يجب أن تلتزم بما تم الاتفاق عليه. سنبذل، نحن والوسطاء، كل ما في وسعنا لضمان تنفيذ الاتفاق بالكامل. لقد وضعنا آليات لمراقبة أي انتهاك محتمل للاتفاق بشكل مبكر، حتى لا ينهار أو يتدهور.

لكن الطريق لا يزال طويلاً. المفاوضات ما زالت جارية، والمرحلة الثانية *لن تكون سهله، ولكن أتمنى أن لا تكون أصعب* مما مررنا به سابقًا. إذا نظرنا فقط إلى التواريخ، نجد أن الفترة التي تلت انهيار وقف إطلاق النار الأول في نوفمبر 2023 كانت 411 يومًا من المفاوضات المستمرة. وعندما نتأمل في ما تحقق في الأيام القليلة الماضية، نشعر بالأسف على الوقت الذي ضاع خلال هذه المفاوضات، رغم أن الواقع هو أنه لا يمكن حل هذه الأمور إلا عبر طاولة المفاوضات. لقد تحققنا من أن الإطار الذي تم الاتفاق عليه في ديسمبر الماضي هو نفسه الإطار الذي نجحنا في تنفيذه قبل يومين. لا أتكلم عن 24 ديسمبر، بل عن 23 ديسمبر. وهذا يعني أن عامًا كاملاً من المفاوضات لم يكن له معنى مقارنة بحياة الناس التي ضاعت.

نأمل الآن أن تتغير الحسابات وأن يشعر الجميع بمسؤولية وضع حد لهذا النزاع. نحن في حاجة إلى التفكير في المستقبل وتوجيه طاقتنا نحو الاستشراف. وما حدث في 7 أكتوبر كان بمثابة جرس إنذار للمنطقة بأننا بحاجة أيضًا إلى معالجة القضية الفلسطينية، وأن هناك زخماً عالميًا نحو حل الدولتين، وهو أمر غاب عن الساحة لفترة طويلة.

 نأمل أن نبني على هذا الزخم لتحقيق هذا الحل، وأن نعيش في منطقة يسودها السلام حيث يعيش الناس جنبًا إلى جنب في بيئة آمنة ومستقرة. هذا هو هدفنا، ونحن نعمل جاهدين لتحقيقه من أجل استقرار شعوبنا، سواء في قطر أو في دول مجلس التعاون الخليجي أو في المنطقة بشكل عام.

بورج بريندي: ألقى الرئيس ترامب خطاب تنصيبه أمس. نعلم أن فترة ولايته الأولى (ترامب 1.0) شهدت توقيع اتفاقيات إبراهيم. فهل تعتقد أن فترة ولايته الثانية (ترامب 2.0) ستكون أكثر انفتاحًا على العمل نحو حل الدولتين؟

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: نحن متفائلون، وقد شهدنا، كما ذكرت، الدور الحاسم الذي لعبته الأطراف خلال الأيام القليلة الماضية من المفاوضات، مما أظهر لنا وجود قيادة قوية وعزيمة على إيجاد حلول. في الأساس، من أجل التوصل إلى حلول فعّالة وتنفيذها، يجب علينا الاستماع إلى جميع الأطراف ومعالجة مخاوفهم. علينا أيضًا أن نتأكد من أننا ندفع الجميع نحو قبول أمور قد لا يرغبون في قبولها بسبب أهداف سياسية قصيرة الأجل، وهي أهداف لن تخدم الشعب ولا استقراره على المدى الطويل.

 

بورج بريندي: عندما تنظر إلى غزة اليوم، ترى أن نحو 80% من بنيتها التحتية قد دمرت. لذلك، سيكون إعادة إعمارها مكلفًا جدًا، على أقل تقدير. هناك الحاجة الملحة للدعم الإنساني الفوري، مثل الغذاء والمياه والمأوى. لكن من أجل إعادة الإعمار بشكل مستدام، أعتقد أنه يجب أن يكون هناك إطار عمل يضمن عدم تدمير هذه البنية التحتية مرة أخرى. فعلى الأقل، تم إعادة بناء غزة مرتين في الماضي، ونحن الآن في المرة الثالثة. السؤال هو: هل يشمل وقف إطلاق النار أيضًا مسارًا نحو ضمانات لإعادة الإعمار، بحيث يكون المانحون الدوليون مستعدين لدعم هذا الجهد؟

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: حسنًا، يتضمن الاتفاق أن المرحلة الثانية يجب أن تركز على إعادة الإعمار، بينما المرحلة الأولى تتعامل مع الاحتياجات الفورية للناس، مثل إعادة بناء المستشفيات والمخابز وتوفير الإمدادات الأساسية مثل الغذاء والماء. أما المرحلة الثانية فيجب أن تشمل إعادة الإعمار..

بالنسبة لما ذكرته عن تدمير 80% من غزة، نحن نعتقد أن غزة بأكملها قد دمرت، وليس فقط 80% كما تظهر الصور. ما يُبث في وسائل الإعلام لا يعكس الواقع بشكل صحيح، بل الواقع أسوأ بكثير. سنشاهد المزيد من الصور المؤلمة الآن بعد توقف الحرب. هناك العشرات، وربما المئات أو الآلاف، من الأشخاص الذين لا تزال جثثهم تحت الأنقاض، ولا أحد يعرف الأرقام الحقيقية حتى الآن.

لا أحد يدرك تمامًا مدى الدمار الذي لحق بالمنطقة. فقد تم تدمير حي كامل، وحتى عند النظر إلى صور الأقمار الصناعية، يظهر الوضع بشكل مروع عندما ترى هذا الشريط الضيق الذي يكتظ بالسكان وقد تعرض لهذا المستوى الكبير من التدمير. الآن، عندما يتعلق الأمر بإعادة الإعمار، نعتقد أن جميع البلدان ستتدخل لمحاولة مساعدة الناس، ولن تعاقبهم بسبب ما جرى.

لكن لا يمكننا أن نستثمر في إعادة الإعمار في كل مرة، بحيث نعيد بناء المنطقة فقط ليحدث شيء آخر يدمرها مجددًا. لذلك، هناك ضرورة ملحة وضغط كبير على الجميع للبحث عن حلول مستدامة يمكن أن تحافظ على السلام، وفي نفس الوقت تقدم ضمانات للدول التي تستثمر في الإعمار، حتى تضمن أن هذه الاستثمارات لن تذهب سدى.

بورج بريندي: هناك احتمال أن تتمكن القيادة الفلسطينية في غزة من استعادة السيطرة، لكن ذلك يواجه تحديات كبيرة، مثل صعوبة الحفاظ على النظام ووجود عمليات نهب مستمرة. أحد الاحتمالات هو أن تتولى السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في الضفة الغربية، قيادة غزة. ولكن هذا الخيار ليس خاليًا من المشاكل، لأن العلاقة بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك حركة فتح، تشهد توترات كبيرة. كيف ترى هذا الوضع؟

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: حسنًا، أولاً وقبل كل شيء، عندما ننظر إلى الوضع، يجب أن نتذكر أن الشعب الفلسطيني والحكومة الفلسطينية والقيادة هناك ليسوا أقل من أي دولة أخرى. لذا، أعتقد أن هذا السؤال يجب أن يُطرح على الفلسطينيين أنفسهم حول كيفية التوصل إلى توافق داخلي والدفع نحو قيادة فلسطينية قادرة على تولي زمام الأمور في غزة. هذا قرار لا يمكن أن يتخذ إلا من قِبل الفلسطينيين أنفسهم.

لقد شهدنا وسمعنا العديد من الدول تتجمع معًا في محاولة للتخطيط لما سيحدث في المستقبل، ولكن لا يمكن أن يحدث هذا المستقبل دون مشاركة الفلسطينيين فيه. كما أن الفلسطينيين بحاجة إلى الاتفاق على الشكل الذي سيبدو عليه هذا المستقبل. نأمل الآن أن تجد السلطة الفلسطينية ترتيبًا داخليًا وتتمكن من إيجاد اتفاق مع جميع الأطراف المعنية.

الأمر لا يقتصر فقط على حماس، بل يشمل جميع الفصائل الفلسطينية. يجب أن تكون هناك حكومة تمثل الجميع، حكومة مهنية قادرة على التعامل مع تحديات إعادة الإعمار في غزة. ولكن يجب أن يكون هذا الترتيب متكاملًا مع الضفة الغربية، بحيث يكون هناك وحدة واحدة تحت حكومة واحدة. هذا هو ما يجب أن نعمل من أجل تحقيقه ودعمه. وأعتقد أنه إذا كان هناك تصميم حقيقي، فإننا قادرون على تحقيق ذلك قريبًا جدًا.

بورج بريندي: هناك بالفعل مخاوف متزايدة بشأن استقرار الحكومة في رام الله والسلطة الفلسطينية. نعلم أنه كانت هناك انتفاضات وصراعات في الماضي، والآن هناك تكهنات حقيقية حول مدى قدرة الترتيبات الأمنية التي تدعمها السلطة الفلسطينية على الصمود في ظل الوضع الراهن. هل هذا شيء حقيقي، وفقًا للمعلومات التي تتوفر لديكم أيضًا؟ وكيف تتوقعون أن تتطور الأمور؟ سيكون هذا إضافة إلى الأحداث المثيرة للقلق التي شهدناها في غزة، مما يزيد من تعقيد الوضع بشكل كبير.

 

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: حسنًا، إذا نظرنا إلى الوضع في الضفة الغربية وعدم الاستقرار هناك، فنعم، هذا يحدث، وهو مؤسف جدًا خاصة في الأشهر القليلة الماضية.

 لكننا بحاجة أيضًا إلى النظر إلى الصورة الكاملة وفهم الأسباب التي أدت إلى هذه الفوضى وعدم الاستقرار في الضفة الغربية. لقد شهدنا حالات من العنف من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين، حيث يمكن لهم التحرك بحرية دون أن تتم مقاضاتهم، مما يزيد من الكراهية والاستفزاز للشعب الفلسطيني. هذا بالطبع لا يبرر أي ردود فعل عنيفة، ولكن من المهم أن نذكر أن الشعب الفلسطيني يحتاج أيضًا إلى الحماية وله الحق في الحصول عليها.

أي حكومة فلسطينية ستتولى السلطة، سواء في الضفة الغربية أو غزة، إذا كانت ستواجه تقييدًا أو تقويضًا من قبل الأطراف الأخرى، فلن تستطيع العمل بشكل فعال. ولهذا السبب نتحدث عن ضرورة وجود حل مستدام قادر على خلق السلام، مع ضمان حقوق الفلسطينيين وضمانات أمنية للإسرائيليين. كنا نأمل أن نرى منطقة يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون جنبًا إلى جنب بسلام.

بورج بريندي: علينا أيضًا أن نأخذ في الاعتبار التطورات التي تسير في الاتجاه الصحيح. لقد بدأت بشكرك على جهودك في وقف إطلاق النار في غزة، حيث كنت فعالًا للغاية في هذا السياق، وأعلم جيدًا حجم الجهد الذي بذلته في هذا الصدد، سواء من حيث وقف إطلاق النار أو معالجة قضية الرهائن. في الأشهر الأخيرة، شهدنا أيضًا تغييرات كبيرة في المنطقة، خاصة في بلاد الشام. هناك رئيس جديد في لبنان، وهو ما أدى إلى تراجع قوة حزب الله، وكذلك ضعف حماس في غزة. كما أن لدينا قيادة جديدة في دمشق. وأعتقد أنك كنت في زيارة إلى دمشق قبل قدومك إلى هنا. من المعروف أن قطر وأنت شخصيًا كنتم واضحين جدًا في مواقفكم تجاه الرئيس السابق الأسد، ولم أظن أنك قد بدأت أي نوع من التقارب معه. ولكن، يبدو أن الحكومة الجديدة في دمشق تستمع إليك. فما رأيك في هذا الوضع؟ هل أنت متفائل بحذر بشأن إمكانية وجود نهج شامل للسلام، بدلاً من فكرة "الفائز يأخذ كل شيء"؟

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: حسنًا، أعتقد أن التفاؤل الحذر الذي نراه في المنطقة الآن يأتي بعد فترة من التحديات الصعبة. كما ذكرت في الجلسة السابقة، للأسف، كان لدينا عام سيئ جدًا في الشرق الأوسط، مع الحرب والدمار وقتل الأبرياء.

لكن في عام 2025، بدأنا نشهد بعض البدايات الجيدة: فقد حصل لبنان على رئيسه بعد عامين من الفراغ السياسي، ورأينا في سوريا انهيار نظام قمعي قتل وشرّد شعبه. أما في قطر، فقد اتخذنا موقفًا مبنيًا على مبادئنا، وهو أننا لا يمكننا قبول إعادة دمج مجرمي الحرب ومنحهم حصانة على ما فعلوه من جرائم. إذا قبلنا ذلك مرة واحدة، فإننا نخلق سابقة تسمح لأي زعيم بقتل شعبه دون محاسبة.

لقد شهدنا انهيار النظام في سوريا في فترة زمنية قصيرة. كما قال لينين، "هناك عقود حيث لا يحدث شيء، وهناك أسابيع حيث تحدث عقود". وهذا بالضبط ما حدث في سوريا.

بورج بريندي: وبالنسبة لك هل هذا يشمل لبنان أم لا؟

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية:  حسنًا، أعتقد أن سوريا هي أكثر المناطق التي ينطبق عليها هذا الأمر أكثر من أي مكان آخر بسبب طبيعة الصراع الدائر هناك.

بورج بريندي: هل تعتقد أن الأحداث التي جرت في لبنان، وخاصة مع حزب الله، كانت بداية لما أدى في النهاية إلى انهيار نظام الأسد في سوريا؟

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: إذا سألتني عن رأيي الشخصي، أعتقد أن غزة كانت بداية كل شيء. هذه المنطقة مترابطة بشكل كبير، وعندما ننظر إلى التطورات الحالية في سوريا، وكذلك التعامل مع القيادة والإدارة الجديدة هناك، يجب أن نكون متفائلين بحذر، لأننا نتعامل معهم للمرة الأولى ولا نعرفهم جيدًا.

لقد استمعنا إليهم ورأينا بعض الخطوات الإيجابية، ولكن من المهم أن نضع التوقعات في نصابها الصحيح. فقد وصلوا إلى السلطة في وقت غير متوقع، وستحتاج الأمور إلى بعض الوقت للاستقرار. من الضروري تمكينهم للمساعدة في تحقيق الاستقرار، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة. صحيح أن المؤسسات في الوقت الحالي ليست قوية، لكن هناك بعض الهياكل الأساسية التي يجب الحفاظ عليها وحمايتها، لتتمكن من توفير الخدمات الأساسية للشعب السوري. يجب أن نساعدهم في الانخراط بشكل صحيح مع المجتمع الدولي، وتمهيد الطريق نحو استقرار سوريا.

لا أعتقد أن هناك أي خلاف عالمي حول الهدف الذي نسعى إليه في سوريا. نحن بحاجة إلى رؤية سوريا كدولة آمنة ومستقرة، ونجاح هذا الهدف ضروري. الفشل في سوريا لا ينبغي أن يكون خيارًا لأي شخص أو أي دولة أخرى، لأننا شهدنا الفوضى في المنطقة. إذا ساء الوضع في سوريا، فإننا قد نواجه تداعيات أسوأ بكثير مما شهدناه في السنوات الـ 13 الماضية.

بالنسبة للمضي قدمًا في قضية الشمولية والتمثيل الحكومي، فإن هذا ما نرغب جميعًا في رؤيته في سوريا. وقد سمعنا من الإدارة الحالية في سوريا، ومن لقاءاتهم مع الدكتور بشار الأسد، أنهم منفتحون على هذا الموضوع. هم الآن يتواصلون مع الجميع، وأعتقد أنه يجب أن نمنحهم الوقت والمساحة للتواصل مع جميع الأطراف، والتوصل إلى فهم لكيفية تحقيق هذا التمثيل، وكيف سيواصلون التقدم نحو المستقبل.

جميعنا نود أن نرى خريطة طريق واضحة للمضي قدمًا، خاصة بالنسبة لنا كدول في المنطقة، والتي من شأنها أن تساعدنا في توجيههم نحو الاتجاه الصحيح. كما أن هذه الخريطة ستمكن المجتمع الدولي من الشعور بالراحة والمشاركة في جهود إعادة البناء وبدء الاستثمار في سوريا. أعتقد أن الإمكانات في سوريا والمنطقة ستكون ضخمة، وسنشهد تنمية سريعة قد تتجاوز توقعاتنا إذا سارت الأمور في الاتجاه الصحيح واستقر الوضع.

الشعب السوري شعب متميز. إنهم مبتكرون ولديهم القدرة على خلق الفرص من لا شيء. لقد رأينا ذلك في جميع أنحاء العالم، حيث ساهم السوريون في البلدان التي لجأوا إليها. في بعض البلدان، بدأوا كلاجئين بحاجة إلى المساعدة، ولكنهم أصبحوا أرباب عمل رئيسيين، وأثروا بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي. لذلك، هناك إمكانات هائلة في الشعب السوري، وفرص كبيرة تنتظرنا.ما نحتاج إليه الآن هو مساعدتهم في تحقيق هذه الإمكانات، والتأكد من أننا نتجنب أي عوامل قد تقوض هذه الفرصة السانحة للشعب السوري.

بورج بريندي: أعتقد أن هذا أمر يستحق التشجيع، خاصة أن الإصلاحات المناسبة ستساعد على تحفيز المزيد من التقدم. وقد شهدنا بالفعل عودة نحو 200 ألف سوري إلى وطنهم. أما بالنسبة للوضع في المنطقة، فقد كنا قريبين جدًا من اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران قبل عدة أشهر. كيف ترى الوضع الآن مع وجود الرئيس الأمريكي الجديد؟ الرئيس ترامب كان ضد الاتفاق النووي الإيراني، بل أوقفه خلال فترة رئاسته السابقة. ومع ذلك، كان أيضًا يدعو للسلام وعدم خوض الحروب. ما مدى قلقك بشأن احتمالية اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران؟ هل تعتقد أنه أصبح من غير المرجح الآن أن تحدث حرب شاملة بين البلدين، رغم أن تداعياتها ستكون كارثية إذا حدثت؟ أم أن هذا التفاؤل قد يكون مبالغًا فيه؟

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: أعتقد أنه إذا نظرنا إلى ما حدث في العام الماضي، نجد أن أي هجوم على أي دولة في المنطقة، سواء كانت إيران أو إسرائيل، يزيد من احتمالات اندلاع حرب شاملة. لذا، يجب أن نعمل على تجنب هذه الاحتمالية ومنعها. لقد مررنا بعدة أحداث حيث تصاعدت التوترات ثم تم تهدئتها، وآمل أن نتمكن من تهدئة الأوضاع بشكل كامل الآن.

ما يحدث الآن في غزة ووقف إطلاق النار هو تطور إيجابي للمنطقة، ومن المهم أن نبني عليه. من وجهة نظرنا كدولة قطر، نحن دولة صغيرة، ولكن…

بورج بريندي: هل كان ذلك أكثر من وزنكم كدولة صغيرة؟

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: لا، ليس الأمر يتعلق بأننا "نضرب فوق وزننا"، بل يعتمد على الطريقة التي نقيس بها قدرتنا. على أية حال، نحن في منطقة غير مستقرة للأسف. ورغم أن مجلس التعاون الخليجي مستقر ولحسن الحظ، إلا أن المنطقة ككل تشهد اضطرابات مستمرة، من حروب قديمة، وأطراف فاعلة حكومية وغير حكومية، وصراعات معقدة. سياستنا الخارجية تقوم على الوساطة، وتيسير السلام، والحفاظ على قنوات مفتوحة مع جميع الأطراف لتحقيق السلام عبر الحوار لا عبر الصراعات. وقد ترسخ هذا المبدأ في دستورنا، وكان أساسًا لبناء الثقة مع الدول التي نتعامل معها على مر السنين.

عندما تسألني، أو إذا طرحت الولايات المتحدة أو الإدارة الجديدة سؤالًا عن موقفنا، نحن نعتقد أن الحل الوحيد للمضي قدمًا هو الحل الدبلوماسي. يجب على جميع الأطراف أن تجلس على طاولة المفاوضات، وأن تسعى لإيجاد اتفاق يعالج كافة المخاوف، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمنطقة. نحن جيران لإيران، ولا نريد رؤية سباق نووي في المنطقة، ولذلك فإن من مصلحتنا، قبل أي شخص آخر، أن تبقى المنطقة خالية من الأسلحة النووية.

هذا لا يعني أننا ضد حق أي دولة في السعي لاستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، بل على العكس، يجب أن يكون هناك مسار سلمي للطاقة النووية. ولكن الأمر يتطلب قيادة إقليمية، وأن يتعاون جميع دول مجلس التعاون الخليجي على الأقل للبحث عن حل سلمي للقضية النووية الإيرانية، ونحن على استعداد لدعم هذا الجهد مع الإدارة الأمريكية.

الرئيس ترامب قال مرارًا وتكرارًا إنه يريد إنهاء الحروب لا أن يبدأ واحدة، وهو بالتأكيد يفضل إبرام اتفاقات سلمية. طوال الوقت كان هذا هو موقفه، سواء قبل الانتخابات أو بعدها. الخيار الاستراتيجي بالنسبة لهم هو إيجاد حلول، وليس تصعيد الأوضاع. وإذا كان الأمر كذلك، فإنهم سيجدون شريكًا قويًا في قطر ودول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق هذا الهدف.

بورج بريندي: شكرًا لك. بناءً على ذلك، أعتقد أنك ستكون مشغولًا جدًا في السنوات الأربع القادمة. لديك مشكلة الحوثيون التي يجب حلها، وأعتقد أن التقارب المحتمل مع إيران سيتطلب الكثير من الجهد أيضًا. القدرة على الصواريخ الباليستية لا تزال قوية جدًا، ودول مجلس التعاون الخليجي لا تمتلك نظامًا مشابهًا للقبة الحديدية كما في إسرائيل. ونحن نقترب من النهاية، لذا سؤالي الأخير: هل تعتقد أن الوضع مع حزب الله، حماس، والأسد قد أثر على نهج إيران قليلاً؟

معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية:  حسنًا، لا أعتقد أن هذا موضوع يمكنني التعليق عليه. أنا شخص يسعى لتحقيق السلام في المنطقة ويحاول الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة مع الجميع. آمل أن أرى منطقة مستقرة ومستقبلًا مزدهرًا لشعوبنا. كما تعلمون، هذا ليس خطأنا. نحن ولدنا في منطقة أحيانًا تفتقر إلى الاهتمام العالمي، وبالتالي يتم خلق العديد من المشاكل.