مشاركة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في جلسة نقاشية "إعادة النظر في دور الدول الصغيرة في السياسة الدولية" خلال قمة كونكورديا العالمية
السفيرة دوبريانسكي: سوف نتناول الآن موضوعاً مثيراً للاهتمام، حيث نسلط الضوء على تأثير الدول الصغيرة في السياسة الدولية. سعادة الوزير، هل يمكنك أن تخبرنا لماذا أصبحت الدول الصغيرة هي مَن يصنع الفارق في المجتمع الدولي وعلى مسرح السياسة الدولية؟
سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني: بداية أود أن أشكرك على استضافتي وأشكر قمة كونكورديا على استضافة هذه الجلسة. للدول الصغيرة أهمية خاصة دائماً، وحينما نمعن النظر سوف نجد أن الدول الصغيرة تتمتع بمزايا قد لا تتمتع بها دول كبرى أخرى. فهي إما تحظى بموقع جغرافي استراتيجي أو لديها موارد فريدة تجعل دولاً أخرى في احتياج إليها، كما أنها لا تمثل أبداً تهديداً لغيرها من البلدان. ولذلك فإن التحالفات مع الدول الصغيرة دائماً ما تعود بفائدة كبيرة على الدول الكبرى ودائما ما تكون ناجحة للغاية. وإذا نظرنا للأمر من زاوية الأداء، فسوف يتبين لنا أن الدول الصغيرة تتمتع بالكفاءة والمرونة والقدرة على التأقلم. بل قد تكون أكثر مرونة في الحركة من الدول الكبرى. وإذا نظرنا اليوم إلى الأمم المتحدة، فسوف نجد أن غالبية الدول الأعضاء بها هي دول صغيرة ولكنها تتساوى في الحقوق مع نظيراتها من الدول الكبرى، صحيح أن ذلك ليس على جميع المستويات، ولكنها على مستوى الجمعية العامة تتمتع بنفس الوزن في عمليات التصويت. ولا يهم إن كانت دولة صغيرة مثل قطر أو جزيرة صغيرة تقع في المحيط الهادئ، فهي في النهاية تُصوت جنباً إلى جنب مع دول مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
السفيرة دوبريانسكي: لكن هل يمكنك أن تحدثنا عن بعض العقبات التي تواجها الدول الصغيرة، لقد تحدثت عن وضعيتها في إطار الأمم المتحدة وتمتعها بنفس الحقوق في التصويت، ولكن ما هي العقبات التي قد تواجهها هذه الدول من وجهة نظرك؟
سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني: عادةً ما تُوفر الآليات متعددة الأطراف الأمن للدول الصغيرة وتحمي حقوقها وتضمن سيادتها، مما يجعلها قادرة على المساهمة بشكل أفضل في الشؤون العالمية، ولكن حينما تفشل هذه الآليات في معالجة مخاوف الدول الصغيرة ولا يكون لديها أدوات ملزمة لحفظ حقوقها، فإنها تمثل حينئذ عقبة كبيرة بالنسبة لها، ودائماً يوجد على مسرح السياسة الدولية أطراف خيِّرة وأخرى شريرة، والدول الصغيرة قد تصبح في بعض الأحيان عرضة لهؤلاء الأشرار. وما نود رؤيته هو آلية متعددة الأطراف تكون ذات فاعلية وقادرة على حل النزاعات بطريقة سلمية.
ونحن في قطر، كدولة صغيرة، ننظر إلى الدبلوماسية باعتبارها السبيل الوحيد لحل أي نزاع، وحينما حدث ما حدث معنا منذ يونيو 2017 وتعرض بلدنا للحصار من جيراننا... لم نجد هناك أي آلية قادرة على حل هذه القضية... بل حتى مجلس التعاون الخليجي وهو آلية إقليمية متعددة الأطراف فشل في حل الأزمة، ولذلك أعتقد أننا بحاجة للبحث عن آلية إقليمية ومتعددة الأطراف يمكنها مساعدة الدول الصغيرة في الحفاظ على حقوقها وحل جميع نزاعاتها بطريقة سلمية.
السفيرة دوبريانسكي: هل يمكن لسعادتكم أن تقدم لنا مثالاً آخر من الشرق الأوسط، دعنا نتحدث مثلاً عن قضية إيران والتوتر الذي يحيط بالعلاقات معها. كيف تتعامل الدول الصغيرة حينما توجد في مثل هذا الموقف؟
سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني: لإيران أهمية خاصة بالنسبة إلى قطر وذلك لعدة أسباب، أولاً الجوار الجغرافي، وهو شيء مهم للغاية، وثانياً، أنها حالياً المجال الجوي الوحيد الذي يمكننا الطيران فوقه، ولكن حتى في ظل الأزمة الخليجية الراهنة، فإن قطر كدولة صغيرة لم تمثل مطلقاً تهديداً لأيٍ من البلدان. وحتى حينما توجد خلافات لنا مع أي بلد، فإننا نواصل الحفاظ على العلاقة الثنائية ونُبقي قنوات الاتصال مفتوحة. وكما ذكرتُ في البداية فإن الدول الصغيرة وإلى جانب كونها لا تمثل تهديداً لأحد، فإن بإمكانها أن تكون بمثابة جسر يربط بين الدول، وقد أثبتنا أن ذلك يمكن أن يكون مساراً ناجحاً في العديد من النزاعات. وعلى سبيل المثال، إذا نظرنا الآن للنزاع بين إيران والولايات المتحدة، فسوف نجد أن قطر تحتفظ بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة ولديها كذلك علاقة منفتحة مع إيران، علاقة جيدة، فنحن نتشارك في حقل للغاز ونستخدم مجالها الجوي وقد فتحت لنا أبوابها حينما أغلق جيراننا أبوابهم أمامنا. لذلك أعتقد أن الحفاظ على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف هو أمر ينطوي على فائدة كبيرة للدول الصغيرة على وجه الخصوص.
السفيرة دوبريانسكي: دعنا نبتعد قليلاً عن المنطقة، لقد ذكرتَ مجلس التعاون الخليجي، هل يمكنك أن تحدثنا الآن عن آسيا التي دخلت العديد من دولها الصغيرة في تكتلات اقتصادية؟ حدثنا وحدث الجمهور عن مدى أهمية التحالفات.
سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني: الدخول في تحالفات هو أمر مهم للغاية لأي دولة صغيرة، وأي آلية متعددة الأطراف ستكون بالطبع ذات أهمية كبيرة لدولة صغيرة لأنها تقدم لها مبادئ واضحة للتعاون مع جيرانها، وتتيح لها الوصول إلى الأسواق، وهو ما تفتقده البلدان الصغيرة. وإذا نظرنا إلى رابطة دول آسيان مثلاً، فهي تمثل سوقاً كبيرة تضم أكثر من 600 مليون نسمة وهو عدد ضخم، وإذا نظرنا إلى دولة معينة ضمن هذا التكتل، ولتكن مثلاً سنغافورة التي أثبتت أنها نموذج ناجح للدولة الصغيرة وهي تضم 5 ملايين نسمة، فإنني أعتقد أن هذه الرابطة يمكنها أن تعود بفائدة كبيرة على دولها الصغيرة. وإذا نظرنا إلى منطقتنا ومجلس التعاون الخليجي، فربما نجد أن المجلس قد فشل حتى الآن في معالجة الأزمة، ولكن لماذا لا نستحضر صورةً أكبر.
ماذا لو كانت لدينا سوق مشتركة في منطقتنا، لا تقتصر على مجلس التعاون الخليجي فقط، ولكن تضم أيضاً إيران حينما يتم حل جميع هذه القضايا، وباكستان، لا سيما وأن جميع هذه البلدان في منطقتنا متقاربة جغرافياً للغاية. لقد أصبح النقل الآن بين جميع هذه البلدان أسهل كثيراً من ذي قبل. وسوف يضاعف ذلك من حجم سوق دول مجلس التعاون الخليجي الحالي 4 أو 5 مرات على الأقل، ولذلك أعتقد أن هناك فائدة كبيرة في إنشاء تكتلات إقليمية.
وهناك نموذج الاتحاد الأوروبي الذي أنشأ مفهوم التعاون برمته وقد بلغ عدد الدول الأعضاء به الآن 28 دولة، وآمل أن يظل هذا التحالف قوياً ولا سيما في ظل النقاشات الدائرة حول خروج بريطانيا منه، ولكن الاتحاد الأوروبي أثبت أنه نموذج ناجح بعد ما تعرضت له أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. ولذلك أعتقد أن هناك أمثلة كثيرة جيدة يمكننا أن نحذو حذوها في تعزيز التعاون الإقليمي وأعتقد أن ذلك سوف يتحقق ذات يوم في منطقتنا مستقبلاً.
السفيرة دوبريانسكي: ما هي الخطوات التي تود أن ترى الدول الأكبر تتخذها لإيجاد المزيد من الشمولية التي تستوعب الدول الأصغر. يمكنك أن تتحدث عن ذلك من منظور دولتكم على وجه الخصوص.
سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني: تتمتع الدول الأكبر حجماً بمزايا تفتقر إليها الدول الصغيرة، ولذلك فإن عليها مسؤولية، وهي مسؤولية حماية العالم، بما يضمن عدم السماح لأي من الأطراف الشريرة بالعبث بأمن مناطق العالم المختلفة. وأعتقد أنه من الأهمية بمكان أن نرى الدول الأكبر تضطلع بدورها في القيادة وأن تكون هناك آليات تضمن تطبيق المبادئ على أرض الواقع. هناك فظائع تُرتكب حول العالم، مثلما يحدث في سوريا وليبيا، وهناك عدم احترام للقانون الدولي. ولكن على مَن تقع مسؤولية تطبيق القانون الدولي في تلك البلدان؟ أعتقد أن ثمة مسؤولية يجب أن تتحملها الدول الكبرى في هذا الصدد.
السفيرة دوبريانسكي: هناك جمهور حضر إلى هنا اليوم وهو يمثل شراكات عامة وخاصة ومجتمع الأعمال وغير ذلك. ماهي رسالتك لهؤلاء، وما الذي يجب أن يضعوه بعين الاعتبار فيما يتعلق بهذا الموضوع المهم؟
سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني: أعتقد أننا بحاجة أولاً لحماية المنظمات متعددة الأطراف، وأن نتأكد أن آلياتها يتم تنفيذها وأن هذه الآليات ملزمة. ورسالتي الرئيسية هي عدم الحكم على البلدان بناء على حجمها، وإنما الحكم عليها بناء على مدى تأثيرها. إن دولة مثل قطر وهي دولة صغيرة ولكنها تمتلك الكثير من الأشياء مثل الطاقة التي جعلتها دولة ذات ثقل مهم في العالم. والاستثمارات القطرية موجودة في كل مكان، كما أننا نساهم في جهود حفظ السلام في العديد من البلدان مثل السودان وليبيا وجيبوتي، ولذلك فإن الأمر لا يتعلق في الحقيقة بالحجم وإنما بمدى تأثير تلك الدول الصغيرة ومدى قدرتها على القيادة.
السفيرة دوبريانسكي: في ظل انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، هل هذه من بين القضايا الرئيسية على جدول أعمالكم؟
إننا دائماً نضع ضمن جدول أعمالنا أهدافاً مثل تحقيق النفع والفائدة للعالم بأسره، وذلك من خلال ما نقدمه من مساعدات لتعزيز مسيرة التنمية أو تحسين الرعاية الصحية أو التعليم لهؤلاء الذين يجدون صعوبة في الوصول إليها، وكذلك وقف أعمال الإبادة الجماعية والقتل التي تجري حول العالم.
السفيرة دوبريانسكي: سعادة الوزير، أود أن أشكر لكم حضوركم معنا اليوم.