محاضرة سعادة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بجامعة قطر بعنوان "الأزمة الخليجية والتحولات السياسية في المنطقة"
أولاً إذا أردنا أن ننظر في التغيرات التي حدثت للعالم من مئة عام ماضية هناك تغيرات كثيرة، هناك تغيرات في النظام العالمي غيرت مجرى التاريخ خصوصا منذ المائة سنة الماضية، بعد انتهاء الحروب العالمية وانتهاء الحروب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي، كانت هناك قوة واحدة مهيمنة على العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، إلى عام 2010-2011 بدت الصين تبرز كقوة دولية وروسيا بعدما قامت بالاعتداء على أوكرانيا.
اليوم إذا نظرنا للمشاكل في الشرق الأوسط نرى أن هناك توجه الرأي العام إلى أن هناك مشاكل وأزمات كثيرة، فلم ينظر للقضية الفلسطينية كقضية رئيسية ومحورية لقضايا الشرق الأوسط والقضايا العربية.
عندما يتحدث الآخرون عن شرق أوسط جديد وقوة أخرى تتحدث عن صفقة القرن من الممكن أن تكون مثل هذه الظروف المحيطة بنا من هذه الأزمات هي تمهيد لمثل هذه الصفقة.
دولة قطر برزت بسياسات تدعم حق الشعوب ومثل هذه السياسيات تسبب عدم قبول وعدم رضا من القوى الإقليمية التي تستغل هذه الفرصة لفرض هيمنتها وسياستها ليكون لها سيطرة في المنطقة.
السبب الآخر هو أن لدى دولة قطر قيادة شابة وملتزمة تجاه شعبها ورأينا جميعا الالتفاف حول القيادة منذ بداية الأزمة سواء من مواطنين قطريين أو مقيمين.
وأيضا الاستمرار في توجيه المطالب الخليجية والاتهامات لدولة قطر لمحاولة عزلها عن المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي هي محاولة لعزل وجهة النظر القطرية عن التغييرات في هذه المنطقة ومحاولة لتهجين السياسة الخارجية القطرية لكي لا تقوم بدور نشر التي كانت تقوم فيه من قبل هذه الأزمة الخليجية، فقد كان هناك إقرار للكثير من النقاد السياسيين بأن دولة قطر بعد هذه الأزمة انشغلت في أزمتها أكثر من ما يحدث في القضايا الإقليمية وهذا أمر طبيعي عندما تكون المسألة تمس جوهر الوطن.
أما بالنسبة لقضيتنا في دولة قطر كيف يكون هناك حل لهذه الأزمة نحن نرى أن ما يحدث في المنطقة هي أزمات متصلة ببعضها، دولة قطر ترى وجوب أن يكون هناك اتفاق إقليمي جديد يجب أن يكون مبني على قواعد رئيسية أولاً: احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وأن يكون ترسيه مطالب الأمن الإقليمي يضمن حماية الدول كبيرها وصغيرها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، إضافة للتركيز على ترسيخ المبادئ الرامية لتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والتنمية، وهو ما طالب به حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى في مؤتمر ميونخ للأمن كرؤية أمن إقليمي جديد يجب أن تتفاعل فيه كافة اللاعبين للوصل إلى اتفاق.
اليوم نرى أن هناك ردة فعل قوية من المجتمع الدولي على الاتفاق النووي الإيراني والانسحاب الأمريكي، اليوم إذ انهار الاتفاق النووي الإيراني دولة قطر ستتأثر ونرى أن السعودية تتحدث وتهدد بأن تطور سلاح نووي في حال تطوير إيران لأسلحتها، أو قد يحدث ذلك في الإمارات عندما بدأوا بإنشاء برنامج نووي سلمي وأيضا قد يتحول هذا البرنامج إلى برنامج غير سلمي.
إذا كانت هناك رؤية من قبل قيادات الدول العربية بأن يكون إطار عمل شامل لكافة الدول في المنطقة يقوم على أساس حماية الأمن المشترك لهذه لمنطقة وعلى أساس المصالح المشتركة ودعم الاقتصاد والتنمية، هذا سيكون الحل الوحيد لاستقرار المنطقة.
نحن متأكدين بأن هناك دول كثيرة لا تريد مثل هذه الحروب ولكن للأسف هناك قوى أخرى في المنطقة لا ترى في هذه حلول لها لأنهم يجدون أن هذه الأزمات تعزز وترسخ مواقعهم ومنظوماتهم الحاكمة، ونحن في دولة قطر ننظر لها كقنابل موقوتة قد تؤدي إلى انهيار أصعب لأنظمتهم وسوف تكون لها تداعيات أكبر على دولنا الصغيرة التي قد تتأثر من مثل هذه الانهيارات.
هل هناك علاقة بما يحدث الآن من تغيرات كبيرة في المنطقة وما بين الأزمة الخليجية وحصار قطر؟
ان ما يحدث في دولة قطر هو جزء لا يتجزأ من عملية الشرق الأوسط، اليوم إذا رأينا أو حاولنا تحليل ما حدث ما بعد حصار قطر والتغيرات الجوهرية التي حدثت في المنطقة سنرى أن وجود قطر كلاعب فاعل في مثل هذه التغيرات ستسهم في ترسيخ رؤية، وهي أن يتم إعادة ترتيب المنطقة وفق الرؤية الوطنية ووفق الرؤى الدولية.
القضية الأخرى بالنسبة لحصار قطر وما يحدث الآن من تغيرات أخرى على مستوى الخليج نفسه هو أن الآن الكل رأى حدوث تحولات في سياسات السعودية غير مقبولة في الظروف الطبيعية، إذا نظرنا إليها سنرى نظرية كلاسيكية: "إذا أردت أن تحدث تغير داخلي يجب أن تخلق عدو خارجي" وللأسف تم اختيار دولة قطر كعدو خارجي بغية تمرير تلك السياسات وهذا لا ينطبق فقط على السعودية بل ينطبق على الإمارات وينطبق على البحرين.
إذا نظرت للعلاقة قبل الحصار فقط بساعات أو بأيام لن ترى أي مؤشرات لحدوث مثل هذه الأزمة. كيف لك تبرير مثل هذه الأزمة إذا لم تكن هناك التغيرات؟ فنحن نرى أن الارتباط هو ارتباط مباشر وأن المسألة خرجت من نطاق الأزمة إلى مسألة السياسة العدائية المتبناة ضد قطر.
اليوم نحن لا نتحدث عن الأزمة الخليجية كأزمة خليجية. هناك سياسة عدائية يتبناها بعض دول الجوار ضد دولة قطر وباتت هي النمط السلوكي لهم وليس حالة فقط لتنفيذ مطلب معين.
كيف نجحت الدبلوماسية القطرية في إدارة هذه المواجهة وكيف استطاعت النجاح؟
إن هناك عدة عوامل أسهمت في نجاح الدبلوماسية القطرية، أولاً التوفيق من الله، ثم مسألة أن تكون على حق تختلف في قضيتنا، نحن نرى في دولة قطر عدالة قضيتنا وانطلقنا منه منذ بداية الأزمة أن نتعامل مع هذه الأزمة بطريقة حضارية وأن لا ننزلق بمنزلقات التي انزلقت بها الدول الأخرى، وأن نؤمن بالقانون الدولي وبالمنظمات الدولية كمنصف لدولة قطر في هذه الأزمة، وبماء على التوجيهات السديدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – أمير البلاد المفدى، منذ بداية الأزمة بهذا النمط هو ما خدمنا بشكل رئيسي دولياً، والعنصر الثالث هو الجبهة الداخلية فلن تقف أي دولة مع دولة قطر لولا أن وجدوا هناك توحد في الجبهة الداخلية ضد هذا العدوان على دولة قطر، والكل أدرك أن ما قامت به دولة قطر في العشر سنوات السابقة من تحول في مجتمعها أدى إلى تقوية الجبهة الداخلية ورفع مستوى الوعي الشعبي لدولة قطر والذي بحمد لله تجاوز الأزمة بهذا الوعي وبهذه الوحدة التي عبر عنها في دعم دولته، اليوم التهديد الذي حدث لدولة قطر هو تهديد وجودي ولن يسمح لأي مواطن أو مقيم في دولة قطر أن يتعرض لمثل هذا التهديد، وأن الكل قاوم بكل شجاعة وبكل رقي وهنا نشيد بكافة مكونات المجتمع القطري سواء كان من إعلام أو من مؤسسات أكاديمية أو من مؤسسات المجتمع المدني أو من مواطنين عاديين أو من موظفين حكوميين، معظم الشعب القطري موظف في القطاع العام, نحن نرى كيف استجاب القطاع العام بأن لا يتأثر ولا تتأثر الحياة الطبيعية للمواطنين نحن نرى أن الكل شريك في هذا النصر.
إلى أين وصلت جهود الوساطة الكويتية إلى الآن؟
بالنسبة لوساطة الأمير الشيخ صباح، في بداية الأزمة كان هناك مجهود من سموه وأتى بنفسه إلى دولة قطر وذهب إلى دول الحصار وحاول أن يكون هناك حوار للفهم. للأسف كان في كل مرة يتم الرد عليه من قبل دول الحصار بطريقة رافضة لمبدأ الحوار ورافضة لمبدأ أن يكون هناك مسألة فهم للأسباب هذه الأزمة وتفاجئ المجتمع الدولي بقائمة المطالب الـ 13.
دولة قطر لم تتخذ أي سلوك عدائي تجاه أي دولة ولم ترفض أو تغلق الباب أمام أي جهود للوساطة الكويتية بل العكس دعمت هذه الجهود، واستمرينا على هذا الدعم والترحيب ولكن طالما لا توجد الرغبة ولا النية الصادقة لدول الحصار فلن يكون هناك حوار بناء أو سيسفر عن نتائج قد تسن في حل الأزمة، وكان آخرها قمة مجلس التعاون التي حضرها سمو الأمير، وكان في آخر ساعات وليس بأيام تراجعت دول الحصار عن حضور هذا الاجتماع، دعوة دولة قطر للحوار سبيلا لحل الأزمة ليست شيكا على بياض ليتم فرض الشروط عليها، نحن كنا واضحين منذ بداية الأزمة بل نحن مستعدون للحوار وبحث المخاوف وفقا للقانون الدولي بطريقة لا تضع قطر في خانة الدول المتمردة مثل بعض الدول للأسف في المنطقة، ودون المساس بسيادة دولة قطر ومقدرات شعبها، ونرى هذه العوامل منطقية، ومتى ما قبلت بها دول الحصار فنحن موجودون.
على الرغم من أن الحصار خالف المواثيق الدولية وهناك انتهاكات عديدة في مجال حقوق الانسان إلا أن ولله الحمد ظهرت دولة قطر أقوى من السابق، نجد الآن اتفاقيات ثنائية دولية وتنوع اقتصادي ونجد اعتماد على السوق المحلي. ماذا لو تمت المصالحة مع دول الحصار؟ هل سوف تستمر دولة قطر على نفس النهج الحالي أو سوف تعود إلى السياسة القديمة التي كانت قبل الحصار؟
استراتيجيتنا منذ بداية الأزمة استندت على ثلاث محاور رئيسيه أولاً تعزيز الأمن الوطني، من خلال توفير الأمن الغذائي وتوفير المستلزمات الطبية ودعم برنامج صمود الدولة في مواجهة التحديات الخارجية، أما البعد الثاني هو البعد الإنساني والقانوني بالوقوف إلى جانب قضايا المواطنين المتضررين من الحصار بطرق قانونية ومتعارف عليها دولياً، أما البعد الثالث وهو البعد السياسي والدولي وتعزيز العلاقات الثنائية مع دولة قطر وعدم منح دول الحصار القدرة على عزل دولة قطر من محيطها الدولي.
هذه المحاور أسهمت بشكل رئيسي لانتقال الدولة من مرحلة لأخرى ومن رؤية إلى أخرى.
نتمنى أن تكون هناك مصالحة وأن ترجع المياه إلى مجاريها ولا نعني عودة السياسة إلى مجاريها، سياسة دولة قطر تبنت نهجاً واضحاً ونحن لا نريد الاعتداء على أحد ولكن لن نرضى لأي دولة أن تمس وجود دولة قطر سواء اقتصادياً او أمنياً أو عسكرياً.