كلمــة نائب رئيس مجلس الوزراء وزيــر الخارجيـة أمـــــام الجزء رفيع المستوى للدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان
السيد رئيس مجلس حقوق الإنسان،
السيدة المفوضة السامية لحقوق الإنسان،
أصحاب السعادة والمعالي رؤساء الوفود،
الحضور الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
يسرني المشاركة معكم في أعمال الدورة الأربعين لهذا المجلس وأتمنى لكم جميعاً كل التوفيق والسداد لتعزيز وحماية حقوق الانسان.
تنعقد هذه الدورة في ظل تحديات كبيرة تهدد حقوق الإنسان في ظل تزايد انتهاكات هذه الحقوق في العديد من مناطق العالم وبخاصة التي تشهد نزاعات مسلحة وعدم محاسبة المسؤولين عنها.
وإننا إذ نشيد بالجهود المشتركة لنا جميعاً في تعزيز دور هذا المجلس لتحقيق أهدافه في صون وحماية حقوق الإنسان إلا أن التحديات الجسيمة التي تواجه هذه الحقوق تتطلب منا المزيد من الجهود لتحقيق الأهداف السامية لهذا المجلس، وتنظر قطر لهذا المجلس باعتباره آلية رئيسية فاعلة للأمم المتحدة في مجال حماية حقوق الإنسان إذا ما استخدمت ولايته وآلياته وإمكاناته المتاحة على النحو الأمثل.
السيد الرئيس،
لقد شهد العام الماضي تطورات مهمة في المجال التشريعي لتعزيز وحماية حقوق الانسان في دولة قطر تمثلت في انضمام الدولة للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإصدار قانون تنظيم اللجوء السياسي.
وفي إطار تعزيز حقوق العمالة الوافدة تم إصدار قانون الإقامة الدائمة، وتم تعديل قانون تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم، متضمناً إلغاء مأذونية الخروج، وتم إصدار قانون بإنشاء صندوق دعم وتأمين العمالة الوافدة وأصدر مجلس الوزراء قراراً بتشكيل لجان فض المنازعات العمالية، كما أشير إلى أن الجهود الوطنية توشك على الانتهاء من وضع خطة عمل وطنية لحقوق الإنسان والتي ستكون بمثابة نهج استراتيجي لعملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان في دولة قطر.
ورغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادي بسبب الحصار غير المشروع والتدابير الانفرادية التي اتخذتها دول الحصار وتنتهك مواثيق حقوق الإنسان إلا أن مسيرة التنمية والتقدم التي تشهدها دولة قطر، بفضل قيادتها الحكيمة، تمضي بخطى راسخة نحو تحويل دولة قطر إلى دولة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة لشعبها جيلاً بعد جيل وفق "رؤية قطر الوطنية 2030" بأبعادها المختلفة، وفي هذا الصدد فقد حافظت دولة قطر على مواقعها المتقدمة في مؤشرات التنمية البشرية على المستويين الدولي والاقليمي، وكذلك واصلت جهودها كشريك دولي فاعل في جهود تحقيق السلام والاستقرار، وتقديم العون التنموي والانساني.
وفي ذات السياق قامت دولة قطر بتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المنظمات الدولية لتحقيق السلم والأمن الدوليين، وتعزيز وحماية حقوق الانسان، وتحقيق التنمية المستدامة، وقد حرصت دولة قطر على المساهمة في تعزيز قدرات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لمواجهة التحديات العالمية في القطاعات الإنسانيّة والتنمويّة، حيث تعهدت في شهر ديسمبر الماضي بتقديم دعماً مالياً بقيمة 500 مليون دولار أمريكي على عدة سنوات، لتمويل ودعم عدد من الصناديق الإنسانية للأمم المتحدة، وسوف تشهد المرحلة المقبلة افتتاح "بيت الأمم المتحدة" بالدوحة والذي سيضم مكاتب تمثيلية لعدد من أجهزة الأمم المتحدة مما سيعزز من قدرتها في تنفيذ أنشطتها وبرامجها الإقليمية والدولية.
السيد الرئيس،
لقد أدرك المجتمع الدولي بطلان المزاعم التي قام عليها الحصار غير المشروع المفروض على دولة قطر، بعد مرور ما يقرب من العامين على اتخاذ دول الحصار تدابير انفرادية غير مشروعة استهدفت المواطنين القطريين والمقيمين على أرض قطر بهدف النيل من سيادة الدولة وأمنها واستقرارها.
ولا شك أن هذه التدابير تخالف قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومعاهدات حقوق الإنسان وبخاصة مبدأي المساواة ومنع التمييز، ولم تقتصر آثارها على تهديد السلم والأمن في المنطقة بل تعدت ذلك لتهدد النسيج الاجتماعي والترابط الوجداني المتوارث بين الأسر في المنطقة منذ مئات السنين، وفي هذا الإطار نؤكد على أهمية قيام الآليات الدولية المعنية برد الحقوق لأصحابها وتعويض المتضررين ومحاسبة المسؤولين عن تلك التدابير غير المشروعة.
إننا في دولة قطر ما زلنا نؤمن بضرورة التوصل إلى حل شامل للأزمة قائم على أساس احترام سيادة الدول، واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ونثمن في هذا الصدد جهود الوساطة التي يبذلها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة، ونأمل أن تكلل هذه المساعي النبيلة بالنجاح.
السيد الرئيس،
إن الأمن والسلم الدوليين ركيزتان أساسيتان من ركائز تعزيز حقوق الإنسان ولا شك أن تقاعس وعجز الآليات المعنية بحفظ السلم والأمن في منظومة الأمم المتحدة، يمثل عقبة في سبيل وقف انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبيها.
لا تزال الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان ترتكب بحق الشعب الفلسطيني الشقيق حيث تواصل اسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بناء المستوطنات واستمرار الحصار الجائر على قطاع غزة وقتل المتظاهرين الفلسطينيين السلميين ومحاولات تغيير الطابع الديموغرافي والسياسي لمدينة القدس الشريف، وذلك في انتهاك صارخ للقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وتؤكد دولة قطر على مواصلة جهودها وسياساتها الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، وإيجاد حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها مبدأ حل الدولتين، واسترجاع الشعب الفلسطيني لكافة حقوقه غير القابلة للتصرف، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذا السياق ما زال المجتمع الدولي عاجزا عن حماية الشعب السوري من الجرائم وعمليات التعذيب والتشريد القسري التي يتعرض لها منذ عام 2011 في ظل إفلات تام من العقاب لمرتكبي هذه الجرائم، وعلى المجتمع الدولي ضمان محاسبة جميع المسؤولين عن هذه الانتهاكات والجرائم وتقديمهم الى العدالة الجنائية الدولية، وإننا على يقين أن اليوم الذي سوف يحاسب فيه العالم المتحضر نفسه على صمته على هذه الجرائم ليس بعيداً.
إن دولة قطر تؤكد دعمها الكامل لكافة الجهود الرامية للتوصل الى حل سياسي للأزمة السورية على أساس اعلان جنيف 1 وقرارات مجلس الامن ذات الصلة، متضمنا ذلك ضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني لحماية المدنيين، وبما يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري الشقيق ويحفظ وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها.
وانطلاٌقاً من حرص دولة قطر على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه نؤكد دعمنا الكامل لكافة الجهود الرامية إلى إعادة أمنه واستقراره والمضي قدما نحو بناء دولة القانون واحترام حقوق الإنسان وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية، ونجدد الترحيب باتفاق السويد كخطوة أولى لتحقيق السلام والاستقرار للشعب اليمني الشقيق، وندعو جميع الأطراف اليمنية إلى تغليب المصلحة الوطنية على الاعتبارات والمصالح الضيقة للتوصل إلى مصالحة وطنية وتسوية سياسية تنهي الحرب العبثية الدائرة، وتوقف جميع الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق أبناء الشعب اليمني الشقيق.
السيد الرئيس،
إن عولمة الإرهاب ومصداقية المجتمع الدولي في مواجهته تفرض معالجة أسبابه الحقيقية، والعمل على تعميق مفاهيم حقوق الإنسان، وتعبئة كل الجهود للدفاع عنها وحمايتها، والالتزام بمقاربة تربط بين حقوق الإنسان في شموليتها، لأن في ذلك كل الضمان لاحترام الكرامة الإنسانية وإعلاء شأن الحق والعدالة.
فمن غير المقبول أن تتحول الحرب على الإرهاب إلى ذريعة لخروقات وانتهاكات جديدة في مجال حقوق الإنسان، وفي هذا السياق فإن الدفاع عن القيم الإنسانية كما هي متعارف عليها دولياً تساءل الضمير الإنساني وأن مواجهة كل أشكال التطرف ومظاهر الإرهاب ينبغي لها أن تتم بوسائل القانون.
في الختام أن قناعتنا الراسخة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان ستظل أحد أهم مرتكزات سياستنا الوطنية وعلاقاتنا الدولية، ونؤكد على التزام دولة قطر بالتعاون مع هذا المجلس ودعم جهوده لتنفيذ ولايته ومهامه على النحو الأمثل.
أتمنى لأعمال هذه الدورة كل التوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،