كلمة معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في منتدى الأمن العالمي
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أرحب بكم جميعاً، في الدوحة، وفي النسخة الخامسة لمنتدى الأمن العالمي، الذي يهدف إلى معالجة أهم التحديات الأمنية على الساحة الدولية وإلى التباحث بشأن القضايا الملحة التي تواجه الأمن العالمي.
وإن استضافة الدوحة لهذا المؤتمر على مدار الأعوام الماضية تأتي نتيجة للاهتمام البالغ الذي نوليه للحوار والتفاهم عالمياً وخاصة فيما يتعلق بالأمن وطنياً كان أو إقليميا أو عالمياً.
الحضور الكريم،
تنعقد النسخة الخامسة من منتدى الأمن العالمي، تحت شعار "إعادة رسم ملامح النظام العالمي: النزاعات والأزمات والتعاون"، في وقت لا يزال فيه العالم يواجه تحديات متزايدة بسبب العديد من المتغيرات التي تشهدها الساحة الإقليمية والدولية من الحروب الأهلية والصراعات إلى احتكار أسواق السلع، حيث تواصل تداعيتها السلبية، إلحاق أضرار فادحة بمختلف القطاعات والتأثير على مئات الملايين من البشر حول العالم.
إن نجاحنا في تجاوز هذه التحديات يبقى رهين قدرة دولنا كافة على الالتزام بالمبادئ الأساسية التي تشكل حولها التوافق العالمي، وعلى رأسها تكريس العدل والمساواة والتضامن ورفض ازدواجية المعايير.
لعل ما نواجه اليوم من تسيس للسلع الأساسية، بما في ذلك الطاقة والمياه والغذاء والأدوية، لا يقل خطورة ومرارة من الحروب والنزاعات، لما له من آثار وخيمة على الشعوب الأكثر هشاشة وضعفاً وحيث أن منطقتنا مثلت لعقود طويلة مسرحاً للعديد من الأزمات وتداعياتها فإننا نؤمن بحاجة المنطقة بشدة إلى إطار مستدام الضمان السلام والاستقرار على المدى الطويل يستند إلى مبادئ الحوار والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
هذا الإطار المستدام هو ما سيضمن تلبية طموحات شعوبنا وآمالها، ولا يتحقق ذلك إلا عبر توظيف قدرات الشباب الذين يشكلون غالبية سكان المنطقة ويعاني الملايين منهم من غياب فرص التعليم والعمل، ومتى ما انطفأت شمعة الأمل لديهم في غد مشرق ومزدهر باتت فرص التنمية أحلاماً بعيدة المنال.
السيدات والسادة
إن الأزمات العالمية المتراكمة خلفت تحديات اقتصادية جمة خاصة تلك التي ترتبط باستقرار سلاسل الإمداد والتوريد، تستلزم هذه التحديات استجابة من كل دولة على حدة وجماعياً عبر مقاربة شاملة ومستدامة، ولقد اتخذت دولة قطر مبكراً، خطوات كبيرة في هذا المسار، وذلك إدراكاً منها بأهمية زيادة الإنتاج المحلي من السلع الأساسية وتنويع سلاسل التوريد لتعزيز أمننا الوطني.
لقد كان هذا النهج على رأس أولوياتنا، وتكللت هذه الجهود بتبوء دولة قطر مكانة عالمية في مجال الأمن الغذائي، من خلال تنفيذ العديد من مشاريع الإنتاج الاستراتيجية، وتعزيز القدرة الإنتاجية المحلية.
وعملنا على نقل هذه التجربة إلى مختلف الدول، إيماناً منا بأهمية تبادل الخبرات وأفضل الممارسات التي من شأنها المساهمة في مواجهة أزمة الأمن الغذائي كما أننا لن نألوا جهداً في بذل المزيد من الجهود، بالتعاون مع الشركاء الدوليين، لتحقيق الأمن الغذائي العالمي.
الحضور الكريم
إن التحديات التي تواجه العالم اليوم، منذ اندلاع أزمة الطاقة الحالية، وتداعياتها على العديد من المناطق حول العالم، وما سببته من فقر الطاقة وانعدام الأمن وعدم المساواة، يستدعي اهتماماً دولياً غير مسبوق. وعليه فإنه من الأهمية بمكان أن نتبنى جميعاً نهجاً واقعياً للتعامل مع نقص موارد الطاقة وأن نضع سياسات متوازنة تعنى بحماية البيئة وتوفر أمن الطاقة العادل للجميع.
ولذلك، اتبعنا منذ سنوات نهجاً واقعياً، يوازن بين الحاجة إلى حماية بيئتنا، والذي يعد في مقدمة أولوياتنا، وأهمية توفير أمن الطاقة بإنصاف للجميع.
واستناداً إلى هذه الرؤية، وبفضل عقود من الاستثمار في إنتاج الغاز الطبيعي والتكنولوجيا، أصبحت دولة قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم ومورداً عالمياً رائداً وشريكاً موثوقاً به دولياً، كما لم تدخر جهداً في العمل مع شركائها في المنطقة والعالم لضمان التدفق المستمر لإمدادات الطاقة، لجميع أنحاء العالم بإنصاف، كما عملنا على تزويد الدول الأوروبية بالطاقة، خلال أزمتها الحالية، وسنستمر في هذا النهج خلال السنوات المقبلة.
نحن على ثقة من أن الغاز الطبيعي سيلعب دوراً كبيراً في التحول الجاد والمسؤول للطاقة. وفي هذا السياق، تعمل دولة قطر على زيادة طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن إلى 126 مليون طن بحلول عام 2026، لتزويد العالم بإمدادات طاقة أنظف وأكثر أماناً وموثوقية ومرونة، كما تعمل بشكل وثيق مع شركائها العالميين لتطوير حلول طويلة الأجل لتلبية احتياجات الطاقة في العالم ولضمان الاستقرار من خلال توفير الطاقة بشكل عادل لجميع أنحاء العالم .
الحضور الكريم
اتخذت دولة قطر النهج القائم على التركيز على التنمية الوطنية والتنمية الإنسانية داخلياً، وعلى السياسة الخارجية القائمة على الموازنة بين المصالح والمبادئ والوساطة في حل النزاعات بالطرق السلمية.
وبينما نمضي بثبات نحو تحقيق غايات رؤية قطر الوطنية 2030 في كل المجالات تبرز جهود الوساطة التي أقدمنا عليها في نزع فتيل الأزمات وتسوية المنازعات في كل من دارفور ولبنان وأفغانستان وتشاد وغيرها. لقد أصبحت قطر، استناداً إلى هذا النهج الفريد، شريكاً يعتد به في صناعة السلام ودعم الاستقرار، وسنواصل هذا الدور الفاعل في منطقتنا وعلى مستوى العالم للتخفيف من حدة الأزمات الإقليمية والدولية، واستجابة للتحديات الراهنة، وتأكيداً على أهمية إيجاد الحلول السلمية للنزاعات من خلال الحوار والدبلوماسية.
ومن هذا المنطلق، استضافت دولة قطر في الأسبوع الماضي، مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بأقل البلدان نمواً، والذي كان من أهم مخرجاته برنامج عمل الدوحة وإعلان الدوحة السياسي، اللذان يشكلان إرثاً هاماً لدولة قطر والمجتمع الدولي للتعاون في سبيل تحقيق تنمية اقتصادية عادلة ومستدامة لأقل البلدان نمواً.
السيدات والسادة
تستند سياستنا الخارجية إلى مبدأ التعاون والتضامن في مواجهة التحديات المشتركة. ويعتبر تعزيز التعاون الدولي جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية الوطنية. وقد بدا هذا النهج جلياً خلال استجابتنا للتخفيف من آثار كارثة الزلزال الهائل الذي ضرب تركيا وسوريا مؤخراً. كما امتدت جهودنا حيث ساهم صندوق قطر للتنمية بمبلغ 112.7 مليون ريال قطري.
كما امتدت جهودنا التنموية والإنسانية لتشمل تقديم المساعدات للدول من أجل تعزيز قدراتها المؤسسية في مختلف القطاعات لبناء القدرة على الصمود ، ودعم التنمية المستدامة الشاملة، بما ينسجم مع أجندة الأمم المتحدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
الحضور الكريم
في عام 2022، حصدت دولة قطر ثمرة البذرة التي زرعتها منذ 12 عام ، ونجحت في استضافة أكبر بطولة رياضية في العالم، بطولة كأس العالم لكرة القدم، كأول دولة عربية مسلمة تستضيف هذا الحدث العالمي، وتميزت بكونها البطولة الأكثر شمولاً وتنوعاً في التاريخ بمشاركة منتخبات ومشجعين من جميع أنحاء العالم، ومع كل التحديات التي واجهتنا حققنا نجاحاً استثنائياً لإيماننا بقدراتنا وإدراكنا لأهمية استضافة حدث كبير مثل كأس العالم في الوطن العربي وقناعتنا بأن لدى هذه المنطقة الكثير لتقدمه للعالم ثقافياً وحضارياً.
مثلت هذه البطولة، رسالة سلام ووئام من قطر والوطن العربي إلى العالم أجمع، ومناسبة فريدة للتلاقي بين الشعوب باختلاف ألوانهم وثقافاتهم ومعتقداتهم. كما كانت فرصة لإنصاف منطقتنا التي ظلت تعاني من صورة نمطية ظالمة لعقود.
الحضور الكريم
نحن على ثقة بأن النسخة الخامسة من المنتدى ستشكل إضافة نوعية للجهود المشتركة لدولنا ومجتمعاتنا، في مواجهة مختلف التحديات وبناء مستقبل أفضل لكافة شعوبنا.
أشكركم على حسن الاستماع، متمنياً لهذا المنتدى النجاح في إقامة حوارات هادفة، وتحقيق الأهداف المنشودة.