الكلمة الافتتاحية لمعالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية في منتدى قطر الاقتصادي

 

بسم الله الرحمن الرحيم،

حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى "حفظه الله،"

أصحاب المعالي والسعادة

السيدات والسادة،
الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

أرحب بكم في الدوحة، عاصمة بلدنا التي أضحت قِبلةً للمنتديات الدولية والدبلوماسية النشطة، ومركزًا عالميًا يجمع صناع القرار والمفكرين لبناء جسور للحوار والتعاون.

 

ينعقد منتدى قطر الاقتصادي هذا العام، وسط تحولات سياسية واقتصادية كبرى، ما يؤكد الحاجة المُلحّة لمنصات الحوار التي تجمع بين أصحاب القرار، ورواد الأعمال، والمبتكرين، وقادة الفكر، بهدف رسم معالم الفرص الاستثمارية القادمة، وصياغة موقف جماعي من التحديات التي تواجهنا، وعلى رأسها الاستقرار الدولي، والنمو المستدام.

السيدات والسادة،

تستمر الكارثة الإنسانية الغير المسبوقة في غزة، وعلى الرغم من جهود دولة قطر جنبًا إلى جنب مع شركائنا في جمهورية مصر العربية الشقيقة والولايات المتحدة الأمريكية لوضع حد لهذه الحرب المأساوية إلا أننا، وللأسف، نشهد مرارًا كيف تُجهض فرص التهدئة.

فعندما تم إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي "عيدان ألكسندر"، ظننا أن تلك اللحظة ستفتح بابًا لوقف هذه المأساة، إلا أن الرد كان بموجة قصف أشد عنفٍ أودت بحياة مئات الأبرياء.

 

هذا السلوك العدواني، غير المسؤول، يُقَوضُ كلَ فرصةٍ ممكنة للسلام... ومع ذلك، نحن ملتزمون بمواصلة مساعينا الدبلوماسية مع شركائنا حتى نُوقف هذه الحرب ويتم الإفراج عن كافة الرهائن والمحتجزين، وأن ترفع معاناة أهلنا في غزة ونُخرج المنطقة من دائرة الخطر الداهم المستمر.

 

أما بالنسبة لسوريا، فقد مثّل قرار رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على هذا البلد الشقيق خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، و نتطلع إلى أن تتبعها خطوات مماثلة، وهي رسالة واضحة للمنطقة والعالم: أن الأولوية يجب أن تكون لإعطاء الفرصة الحقيقية والكاملة للشعوب التي تخرج من الصراعات لبناء مستقبل أفضل.

 

الحضور الكريم،

إن الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي متلازمان، ولا يمكن لأحدهما أن يتحقق بمعزل عن الآخر.

 

ومن هذا المنطلق، تنتهج دولة قطر سياسة دبلوماسية فاعلة، تقوم على الوساطة النزيهة والعمل البنّاء من أجل حل النزاعات، إدراكًا منها بأن السلام هو الأساس لأي تنمية مستدامة.

 

إننا نعتبر كل جهد دبلوماسي نبذله استثمارًا في مستقبل أكثر ازدهارًا  وأمنًا، وحين نرى شابًا في غزة يكمل تعليمه، أو عائلة سورية تعود إلى بيتها بعد النزوح، ندرك الأثر العميق للاستقرار على حياة الناس واقتصادهم.

 

الحضور الكريم،

إننا في دولة قطر نتطلع إلى اقتصاد متنوع ومزدهر، قائم على المعرفة والابتكار، ويحاكي الثورة التكنولوجية، يتميز بالمرونة والتكيف، ونتطلع لأن تكون قطر منارة للتقدم التكنولوجي ومركزًا عالميًا للاستثمار والأعمال، مبني على الثقة وأن تظل قطر دائماً شريكاً موثوقاً فيه، سواءً كان في الطاقة أو الاستثمار كما هو الحال في الدبلوماسية.

ومن هذا المنطلق، نعمل على ترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس، من خلال تنويع استثماراتنا الخارجية بما يعزز التوازن الاستراتيجي ويسهم في بناء اقتصاد مستدام طويل الأجل، حيث يواصل جهاز قطر للاستثمار تنفيذ رؤيته عبر شراكات استراتيجية بعيدة المدى حول العالم، تواصلت هذا العام باستثمارات مهمة من الولايات المتحدة إلى أفريقيا، وصولاً إلى الصين.

تلك المبادرات تعكس ثقتنا الراسخة في ديناميكية الأسواق، خصوصاً الناشئة منها الناشئة وإمكاناتها المستقبلية.

 

أما على الصعيد المحلي، فقد واصل الاقتصاد القطري أداءه الإيجابي، حيث سجل نموًا حقيقيًا بنسبة 2.4% في عام 2024، ليصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 713 مليار ريال قطري.

 

ويُعزى هذا النمو إلى تقدم ملحوظ في القطاعات غير النفطية، التي نمت بنسبة 3.4% سنويًا، في مؤشر واضح على التقدم بثبات نحو تحقيق أهداف استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة.

 

وبحلول نهاية عام 2024، بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الجديدة 9.9 مليار ريال قطري، مما يؤكد تصاعد ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد القطري ومتانته.

 

ولمواكبة هذا الزخم، تواصل دولة قطر تطوير الإطار التشريعي والإداري بما يجعل بيئة الأعمال في قطر أكثر كفاءةً وجاذبيةً للمستثمرين.

 

وفي هذا السياق، يسعدنا اليوم الإعلان عن إطلاق الحزمة الأولى من برنامج الحوافز لجميع المستثمرين، والتي تستهدف قطاعات استراتيجية تشمل التصنيع المتقدم، والتكنولوجيا الحديثة، والخدمات اللوجستية. وتمثل هذه الحزمة خطوة نوعية لتعزيز النمو في قطاعات تشكل ركيزة أساسية لمستقبل الاقتصاد الوطني.

 

وإلى جانب التوسع الصناعي، شهد هذا العام إطلاق مشروع "سميسمة" السياحي، الذي يعد أحد أكبر المشاريع الترفيهية في المنطقة، والذي يشكل رافعة رئيسية للقطاعين العقاري والسياحي، ومحركًا فعّالًا للتنمية المتكاملة.

 

أما في مجال الابتكار والتحول الرقمي، فقد رسّخت دولة قطر مكانتها كمركز تكنولوجي ناشئ، حيث استضافت في فبراير 2025 النسخة الثانية من "قمة الويب"، بمشاركة أكثر من 25 ألف شخص من 124 دولة.

 

وقد نجحت القمة في خلق تواصل استثنائي بين مراكز التكنولوجيا الصاعدة في آسيا وأفريقيا من جهة، وكبرى الشركات العالمية والصناديق السيادية من جهة أخرى، ما يعزز مكانة قطر كمحور عالمي للتقاطع الرقمي.

 

وتأكيدًا لهذا التوجه، فازت قطر مؤخرًا باستضافة "المؤتمر العالمي للجوال" (MWC)  لمدة خمس سنوات، على أن تُعقد النسخة الأولى في نوفمبر المقبل — في خطوة تضع قطر بقوة على خارطة الاقتصاد العالمي الرقمي.

 

ولمواكبة هذا التطور والمشاركة الفعّالة فيه، ستطلق دولة قطر مشروع جديد يطمح للعالمية سيتم الكشف عنه خلال هذا العام.

 

إن هذه الإنجازات مجتمعة تعكس التزام دولة قطر بتكريس موقعها كمركز اقتصادي واستثماري عالمي، وترسّخ جديتها في بناء مستقبل يقوم على التنوع والابتكار والاستدامة.

 

الحضور الكرام،

 

تسعى دولة قطر إلى ترسيخ دورها في بناء اقتصاد عالمي أكثر توازن، يُعلي من الشراكة ويضع الإنسان في صلب التنمية. ونتطلع لأن تكون قطر منصة تلتقي فيها الأفكار وتتقاطع فيها المصالح، في بيئة يعززها السلام والاستثمار.

 

من هذا المنطلق، ندعو إلى مقاربة متكاملة تمزج بين الأمن والتنمية، والدبلوماسية والنمو، وتضع كرامة الإنسان في قلب معادلة الازدهار.

 

أشكر حضوركم الكريم، وأتمنى لكم منتدى مثمرًا ونقاشًا بنّاءً. وأتطلع إلى حوار بنّاء ومثمر خلال جلسات هذا المنتدى، وإلى شراكات اقتصادية جديدة تعزز مسيرة التنمية المستدامة في منطقتنا والعالم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته