كلمة معالي رئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية خلال تسلمه جائزة تيبيراري الدولية للسلام
السيدات والسادة،
الأعضاء الكرام في مؤتمر تيبيراري للسلام،
الضيوف الكرام،
بكل تواضع وامتنان، أُعبر عن قبولي لجائزة تيبيراري الدولية للسلام، لا بوصفها تكريمًا شخصيًا، بل باسم دولة قطر، وشعبها، ومبادئها، وقيادتها. هذه الجائزة تمثل اعترافًا بما أصبحت عليه قطر اليوم: صوتًا ثابتًا للسلام، ومدافعًا عن الحوار، وأمةً لا تلين أمام التحديات.
إن اجتماعنا اليوم هنا، في أيرلندا، الدولة التي بلغت السلام عبر المصالحة والشجاعة الأخلاقية، له دلالة عميقة. فمسيرتكم تؤكد ما نؤمن به دومًا في قطر: أن السلام لا يُمنح، بل يُبنى.
ولا يسعني إلا أن أُذكّركم بكلمات الراحل جون هيوم: "إن أساس السلام والاستقرار في أي مجتمع يجب أن يكون الاحترام الكامل لحقوق الإنسان لجميع أفراده.
اليوم، لا أتحدث إليكم عن قصتي، بل عن قصة شعب قطر الأبي.
كثيرًا ما يسألني البعض عن دوافع قطر، من غزة إلى أفغانستان، ومن لبنان إلى أوكرانيا. ويزعم البعض أن ما تقوم به قطر يُملى عليها بدافع المصلحة الذاتية. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
فما نقوم به ليس مجرد تعاملٍ تجاري، بل هو عملٌ تحويلي. ليس مناورةً تكتيكية، بل هو انعكاس لهويتنا الوطنية، التي تتشكل من ثقافتنا، ويحرّكها إيماننا، ويكرّسها دستورنا، وتستلهمها قيادتنا.
إن حضرة صاحب السمو الأمير هو نموذج نادر في القيادة في عالمنا اليوم. فهو لا يكتفي بممارسة الحكم، بل يُنصت ويشعر، ويضع قلبه وروحه في كل ما يضطلع به من مهام – من تلبية احتياجات المواطنين إلى السعي من أجل السلام الإقليمي والدولي.
يرى في شعوب المنطقة، وفي الأبرياء حول العالم، امتدادًا لشعبه، ويتألم لكل نفس تُزهق، ويؤمن بأن السلام هو الإرث الأسمى الذي يسعى لتحقيقه.
ولا تسعفني الكلمات في التعبير عن فخري بسموّه. لقد نلت شرف خدمة وطني تحت قيادته لأكثر من عشر سنوات، وسأظل على هذا الشرف ما حييت. ومن حكمته وشغفه وإصراره، أستمد شخصيًا الإلهام الذي يدفعني للاستمرار والمضيّ قدمًا.
تأتي هذه الجائزة في لحظة بالغة الأهمية، قبل أسبوع واحد فقط، تعرّضت بلادنا لهجوم صاروخي مباشر، جاء كردٍ واضح على التهوّر الذي يهدد السلام والاستقرار في منطقتنا. وبينما كانت دفاعاتنا الجوية تقوم بواجبها، كان دبلوماسيونا يعملون بلا كلل لتأمين وقفٍ لإطلاق النار مع بزوغ الفجر. لم تكن تلك اللحظة لحظة انتقام، بل كانت لحظة تضبطها الحكمة وضبط النفس.
والأهم من ذلك، أن الفجر قد ظهر دون خسائر في الأرواح ودون إراقة دماء. هذا الإدراك قاد إلى خيار ضبط النفس بدلاً من التصعيد. في تلك اللحظة الصعبة، وأثناء مناقشتنا مع سمو الأمير لخياراتنا بشأن خطوتنا التالية، قرر أنه طالما – ولله الحمد – لم تُزهق أي أرواح في الهجوم، فلن تُزهق أي أرواح بعدها. وتم اتخاذ قرار ضبط النفس.
ويجب أن أكون واضحًا: قطر اختارت ضبط النفس من موقع قوة، لا من موقع ضعف—لأننا وضعنا استقرار منطقتنا ورفاهية شعوبها فوق الخطابات النارية واستعراضات القوة.
وبصراحة، لا نرغب في أن نُدرَج ضمن الدول التي تنتمي إلى نادٍ يرفع شعارات ولا يلتزم بها، فينصح بشيء ويمارس نقيضه. لذا، نسعى – على أقل تقدير – إلى تطبيق ما ندعو إليه.
لقد حذّرنا مرارًا من مخاطر امتداد الصراع الإقليمي، ومن أن سلوك إسرائيل المتهور قد يؤدي إلى تفاقم النزاع إلى مستويات لا تُحتمل. وثمن تجاهل هذه التحذيرات لا يُدفع في غزة وحدها، بل في جميع أنحاء المنطقة.
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا مستمرًا في حدة الصراعات، وهو ما يُشكل اختبارًا حقيقيًا للمبادئ والقيم التي يفترض أنها تُكرّس السلم والأمن الدوليين. في المقابل، تتزايد الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، وعلى وجه الخصوص القانون الدولي الإنساني، في ظل شبه غياب للمساءلة القانونية، وإفلات تام من العقاب – بل وفي كثير من الأحيان من قبل دول أعضاء في الأمم المتحدة ذاتها. وقد أدى هذا الواقع إلى تآكل الثقة في النظام الدولي، وفي منظومة القواعد التي يفترض أن تنظمه. لم يعد هناك ما يُمكن اعتباره مكانًا آمنًا.
لا مكان تتجلى فيه هذه المأساة أكثر من غزة. الصور القادمة من هناك لا تُحتمل، والخسائر فوق الوصف. ومع ذلك، ورغم هذا الدمار، ظلّ سمو الأمير ثابتًا في التزامه تجاه شعب غزة—عبر المساعدات المستمرة، والسعي الجاد لتحقيق السلام، والدفاع عن كرامتهم في المحافل الدولية.
في الساحة الدولية، ولسنا نتحدث فقط عن شعب غزة، نحن ما زلنا ملتزمين بتحرير من تبقّى من الرهائن الإسرائيليين، رغم لامبالاة الحكومة الإسرائيلية تجاه أي حل سلمي. فالحياة البشرية بالنسبة لنا مقدسة، بغض النظر عن الهوية السياسية أو أي هوية أخرى.
معاناتهم تُثقل ضمائرنا، لكنها أيضًا تُقوّي عزيمتنا.
حتى عند الاستفزاز، وحتى عند الهجوم، نظل ملتزمين بالسلام—ليس شعارًا نردده، بل واجبًا نؤديه.
فقواتنا المسلحة تحمي سيادتنا بشجاعة، ودبلوماسيونا يبنون الجسور بصمت، وفي خضم كل ذلك، يظل شعبنا واقفًا، موحّدًا.
كما قال نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم): "ألا أخبركم بأفضل من الصلاة والصيام والصدقة؟ إنها إصلاح ذات البين".
إلى الجيل القادم الذي يشاهدنا عن بعد: لا تعتقدوا أن السلام سذاجة، بل إنه أصعب من الحرب، ولكنه يستحق كل جهد نبذله. إنه أقوى من السخرية وأعلى صوتًا من العنف.
باسم شعب قطر، أتوجه بالشكر إلى مؤتمر تيبيراري للسلام على هذا التقدير. وباسمهم، أقبله بتواضع، وبالتزام متجدد: بأن تظل قطر صوتًا للهدوء، وشريكًا في السلام، وصديقًا لكل من يؤمن بأن الحوار يجب أن ينتصر على الدمار.
فلنظل أوفياء لهذه القضية.
شكرًا لكم.