الكلمة الافتتاحية لمعالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية في حفل تخريج جامعة جورج تاون

 

السيّد/ روبرت غروفز، الرئيس المؤقّت لجامعة جورجتاون

السيّد/ صفوان مصري، عميد جامعة جورجتاون قطر

الخريجون والخريجات،

الحضور الكريم،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

يسعدني أن أشارككم هذا المساء مناسبةً تُجسّد ما نؤمن به في دولة قطر: أن التعليم الجاد هو حجر الأساس في إعداد الأفراد القادرين على المساهمة الفاعلة في استقرار العالم وتنميته. فهذا اللقاء لا يُمثّل لحظة احتفال أكاديمية فحسب، بل يُجسّد أيضًا رؤيتنا الوطنية في الاستثمار في الإنسان، باعتباره أعلى قيمة وأثمن مورد.

ويزداد هذا المعنى عمقًا ونحن نحتفل اليوم بمرور عشرين عامًا على تأسيس جامعة جورجتاون في قطر، بالتزامن مع الذكرى الثلاثين لتأسيس مؤسسة قطر، في شهادةٍ حيّة على الإيمان الراسخ بأن الاستثمار في الإنسان هو الطريق إلى بناء مجتمعات مستقرة ومنتجة، وأن بناء المستقبل يبدأ من الحرم الجامعي، ويمتد إلى ساعات العمل وصناعة القرار.

 

السيدات والسادة،

تواجه منطقتنا والعالم اليوم مستويات غير مسبوقة من التحديات، وتمتد من النزاعات المسلحة إلى أزمات الغذاء والمناخ والتوترات الجيوسياسية. وفي هذا السياق، حرصت دولة قطر على أن تظل شريكًا موثوقًا في جهود إحلال الأمن والاستقرار، وعلى أن توازن بين دبلوماسية الوساطة والسياسات التنموية طويلة المدى.

ونستلهم في كل خطواتنا رؤية حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير البلاد المفدى، التي تضع التعليم والتمكين في صميم المشروع التنموي للدولة، وتؤمن بدورهما المحوري في ترسيخ الأمن والاستقرار ودفع عجلة النمو. وانطلاقًا من هذا الإيمان، تتعامل حكومة دولة قطر مع التعليم العالي كخياراً استراتيجي لتحقيق رؤية قطر الوطنية  2030، وبناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على المعرفة. ومن هذا المنطلق، نحرص على إقامة شراكات أكاديمية نوعية تُسهم في تخريج كفاءات وطنية متميزة، وتعزّز مكانة قطر كمركز إقليمي رائد في مجالات المعرفة والابتكار.

ونؤمن أن العلم منارةً يستهدي بها الجميع، لكنّ الفرق يكمن في طريقة توظيف تلك المعرفة في سبيل تحقيق الأثر المنشود. لذلك، فإننا ننظر إلى الشراكات الأكاديمية النوعية — مثل شراكتنا مع جامعة جورجتاون — على أنها جسور تمتد من الحاضر إلى المستقبل، ومن المحلية إلى العالمية. إنها ليست مجرد اتفاقيات، بل التزام متبادل بصناعة الأثر الإيجابي في العالم.

 

كما أُشيد ببرنامج الماجستير التنفيذي في الدبلوماسية والشؤون الدولية، الذي صُمّم خصيصًا لتأهيل كوادر قطرية دبلوماسية قادرةً على الربط بين المعرفة الأكاديمية ومهارات العمل في مجال السياسة الدولية. وهو مثال حيّ على التكامل بين الاحتياجات الوطنية والخبرة الأكاديمية العالمية، بما ينعكس مباشرةً على أداء مؤسسات الدولة، داخليًا وخارجيًا.

الخريجون والخريجات،

أنتم اليوم تقفون على أعتاب مرحلة جديدة، لا تقتصر على الانتقال من قاعات الدراسة إلى فضاءات العمل، بل تتطلّب منكم أن تكونوا شركاء في بناء عالمٍ أكثر عدلاً وفهماً وتواصلاً. لقد منحكم هذا الصرح الأكاديمي أدوات التحليل، ومنهجية التفكير النقدي، ومهارات الانخراط في عالمٍ متعدّد الأصوات والتحديات.

 

وأسمحوا لي، منذ سنوات، كنت في موقعكم، أحمل ذات الحماس، وذات الأسئلة الوجودية، وذات الطموح اللامحدود. ظننت حينها أن الطريق واضح، والحقائق ثابتة. لكن مع الوقت، أدركت أن الحياة أكثر تعقيداً من أي معادلة أكاديمية وتعلمت أن الثبات على المبادئ لا يعني الجمود، وأن التوازن بين الحلم والواقع هو مفتاح الاستمرار.

قد تصادفون إحباطًا، أو لحظات شكّ، أو شعورًا بأن الطريق أطول مما توقعتم  لا تخافوا من تلك اللحظات. فهي التي تُنضج الرؤية، وتصقل الشخصية، وتُميّز القائد عن المألوف.

 

أوصيكم اليوم بخشية الله في ضمائركم وان يكون نبراسكم خدمة البلاد والعباد وان تحافظوا على إيمانكم بأنفسكم، ولا تتنازلوا عن شغفكم أو تسمحوا للضغوط أن تُطفئ روح الأمل فيكم. أنتم الجيل الذي نعوّل عليه لصياغة رؤى جديدة وصناعة اثرٍ حقيقي. تذكّروا أن الوطن والقيادة تقف خلفكم بثقة، وأنكم لا تتجهون لوظائف فقط، بل إلى مواقع يُصنع فيها القرار وتُبنى فيها الجسور. وفي زمنٍ تتسارع فيه التحوّلات وتتعمّق فيه الأزمات، من مأساة غزة إلى التوترات الإقليمية، تؤكد قطر التزامها الدائم بالوساطة والدبلوماسية كسبيلاً لحماية المدنيين ودفع الحلول السياسية. وقد أثبتت أن الحوار بديل فعّال للنزاع، وأن المصداقية تُبنى بالفعل المتواصل، وأنتم اليوم جزء من هذا المسار، جيل يؤمن بالمعرفة ويعمل من أجل التغيير المسؤول.

السيدات والسادة،

نفخر اليوم بوجود خريجين من أكثر من أربعين جنسية، في تجسيدٍ لالتزامنا بالتعليم العابر للثقافات وخلق بيئة أكاديمية شاملة. ونحتفل أيضًا بوصول عدد خريجي الجامعة في قطر إلى الألف (1000)، في إنجاز يعكس تراكمًا نوعيًّا في بناء رأس المال البشري، الذي نعدّه اولويةً تنموية، وندعو إلى استثماره في مبادرات تخدم أولوياتنا الوطنية وتعزز تفاعلنا المسؤول مع العالم.

 

وفي الختام، أهنّئكم، وأهنّئ عائلاتكم، على هذا الإنجاز الذي نستحضره اليوم، ليس فقط كنجاحٍ أكاديمي، بل كدلالة على جاهزيتكم للمشاركة في بناء المستقبل.

أنتم لا تمثّلون نجاحاتٍ فرديةً، بل أنتم جزءٌ من مشروعٍ وطنيٍّ أكبر، يؤمن بأن الإنسان هو الاستثمار الأهم، وأن بناء المستقبل يبدأ بعقولٍ مؤهّلة، وضمائرَ واعية.

حافظوا على شغفكم بالمعرفة، وعلى استعدادكم لتحمّل المسؤولية.

وفقكم الله وسدّد خطاكم،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،