كلمة معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في افتتاح النسخة السادسة من منتدى الأمن العالمي تحت شعار: "المنافسة الاستراتيجية: التعقيدات الناتجة عن الاعتماد المتبادل"

الدوحة – الاثنين، 20 مايو 2024


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

في البداية أود، أن أتقدم بالتعازي للشعب الإيراني الشقيق في وفاة السيد رئيس الجمهورية، وزميلي وزير الخارجية، والوفد المرافق لهم، إثر الحادث الذي تعرضوا له يوم أمس. نسأل الله تعالى لهم المغفرة.

***

 أرحب بكم اليوم بمناسبة انعقاد النسخة السادسة من منتدى الأمن العالمي، تحت شعار "المنافسة الاستراتيجية: التعقيدات الناتجة عن الاعتماد المتبادل".

 

نلتقي مجدداً في الدوحة لنبحث التحديات الأمنية التي تواجه العالم... وننظر في تفاصيل الواقع الأمني العالمي بموضوعية، وما فيه من مخاطرٍ وسبل تحييدها، وما فيه من فرصٍ يمكننا اغتنامها.

 

السيدات والسادة،

في عالمنا الذي شهد تحولات كبيرة في السنوات القليلة الماضية، نرى الأزمات والصراعات تتوالى وتهدد بشكل غير مسبوق الأمن والسلم العالميين:

  • فمن الحروب والصراعات العسكرية،
  • والهجمات السيبرانية وتوسع أعمال التجسس والقرصنة الرقمية،
  • إلى الكوارث البيئية والأزمات الإنسانية، وموجات الهجرة الجماعية.

 

تصاعدت التوترات الجيوسياسية بين مختلف القوى في أنحاء العالم، وصولاً إلى عودة خطر انتشار الأسلحة النووية، والحروب الجديدة بأسلحتها غير التقليدية.... وكلها تحديات تتجاوز في آثارها الكارثية الحدود الوطنية والإقليمية، بل وتتجاوز ميادين المعارك إلى الفضاءات الإلكترونية.

 

ومع ظهور مراكز نفوذ متعددة ومتنافسة، فإن الصراعات الجديدة والحروب غير التقليدية بين القوى العظمى تعرض النظام الدولي لخطر حقيقي، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

  • الحرب في أوكرانيا، التي هزت أسواق الطاقة العالمية، وتسببت في تراجع الأمن الغذائي على نطاق واسع،
  • وأزمة الدولة المركزية في أفريقيا والتي تتداعى آثارها في السودان ومحيطها،
  • والاستقطابات السياسية في الأمريكتين،
  • والتصعيد بين الولايات المتحدة والصين، مع تداعياته على سلاسل التوريد العالمية والتجارة الدولية.

 

وإذا كانت القائمة السابقة لا تكفي، فإن منطقتنا التي تواجهُ العديد من المخاوف الأمنية، مع اتساع نطاق الصراعات الإقليمية - الأهلية والبينية، تعيش اليوم في ظل تصعيد مستمر ومتصاعد يهدد أمن المنطقة والعالم.

 

فالحرب التي تدور رحاها في قطاع غزة، حصدت ولازالت تحصد آلاف الأرواح، ويتفاقم كل يوم حجم المأساة الإنسانية هناك، مما يستلزم تكثيف الجهود الدولية سواءاً تلك المعنية بإنهاء الصراع أو الجهود الإنسانية لضمان وصول المساعدات.

 

لقد أثبتَ لنا التاريخ بأن كلفة أي احتلال وتبعاته يكونان دائماً أكبر من أي مردود متوقع للمحتل... فإن سياسات الاحتلال والتهجير القسري والعقاب الجماعي لم تثمر يوماً نهاية لأي صراع، بل كانت وقوداً لاستمرار العنف واتساع رقعته.

 

الحضور الكرام،

إن أي صراع يشتد تتفاقم معه التبعات الإنسانية المتراكمة، وعلى رأسها موجات اللاجئين، والهجرة غير الشرعية التي يقودها الفقر الناتج عن فشل الدولة،  وانهيار الهياكل السياسية، والتطرف الذي تعززه حالة اليأس وفقدان الأمل في مستقبل أفضل.

 

ولأي كارثة إنسانية تأثيرها على سلاسل التوريد العالمية، كما حدث نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما نشهده حالياً في البحر الأحمر نتيجة للحرب على الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة.

 

وبالفعل، نشهد اليوم تمددِ هذه الحرب نحو مناطق أخرى في الإقليم، حيث تمددت المواجهات حتى وصلت إلى البحر الأحمر، وشملت مواجهات مباشرة بين إيران وإسرائيل، مع تصاعد خطر المواجهات على الحدود الجنوبية في لبنان. ناهيك عن ما يخلفه هذا التصعيد الخطير من تعزيز لسردية التطرف التي تنخر في كيانات الكثير من دول المنطقة.  

الحضور الكرام،

وسط هذه الصورة القاتمة للوضع الإقليمي والعالمي، بذلت دولة قطر كامل جهدها للمساهمة بدور حيوي في تعزيز السلم والأمن العالميين عبر جهود الوساطة وفض النزاعات وإنعاش الاقتصاد العالمي وإعادة بناء ما دمرته الحروب والأوبئة.

 

ففي عالم تعصف به الأزمات، بات العمل المشترك مطلوباً الآن أكثر من أي وقت مضى..... وفي هذا الإطار، تستند سياستنا الخارجية إلى مبدأ التعاون في مواجهة التحديات المشتركة، ويعتبر تعزيز التعاون الدولي والعمل متعدد الأطراف جزءاً لا يتجزأ من سياستنا الخارجية.

 

كما امتدت جهودنا التنموية والإنسانية لأشد الدول حاجة من خلال تقديم المساعدات لبناء القدرة على الصمود وتعزيز قدرات الدول المؤسسية في مختلف القطاعات.

 

وفي سبيل تعزيز السلم والأمن العالميين، أصبحت جهود الوساطة وفض النزاعأحد الركائز الأساسية لسياستنا الخارجية، وبفضل هذا النهج، استطاعت دولة قطر أن تتوصل إلى عدة هدن واتفاقيات من شأنها التخفيف من حدة النزاعات والتوصل لحلول سلمية لها.

 

ولم تقتصر هذه الجهود على منطقتنا فحسب بل امتدت لتشمل الوساطة بين روسيا وأوكرانيا للم شمل الأطفال المتأثرين بالحرب مع ذويهم، وبين فنزويلا والولايات المتحدة الأمريكية، وغير ذلك من الوساطات التي تجري حالياً وفي ذات الوقت الذي نستمر فيه في جهود الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس.

 

إن التزامنا في قطر بالعمل على منع انهيار السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، وتوظيف الدبلوماسية لحل النزاعات بالوسائل السلمية ليس مجرد التزام سياسي، بل هو التزام أخلاقي، ينبع من مسؤوليتنا الجماعية تجاه النهوض بالشعوب الأكثر ضعفاً ونشر الأمن والاستقرار العالميين.

 

الحضور الكرام،

من المهم أن نلتقي في هذا المنتدى وغيره من فضاءات الحوار لنبحث عن حلولٍ خلاقّة لمشاكل عالمنا، ولكن الأهم هو أن نتوافق على حلولٍ أخلاقية، تعكس إنسانيتنا وإيماننا بالمبادئ التي توافقنا عليها في المجتمع الدولي....

 

حلولٍ تطبق المبادئ نفسها علينا جميعاًدون تمييز، في ظل إيمان بأن الإنسان هو الإنسان، وأن رفع المعاناة عنه لا يجب أن تكون رهينةً لاعتبارات سياسية أو أن تحدد الأولويات فيها عبر النظر في عرق من يعاني أو انتماءاته الوطنية.

 

محبط ومؤلم كَمُ الأزمات والتحديات التي تعصف بنا - ومعظمها من صنعِ أيدينا - ولكننا في قطر تعلمنا أن الفجر يشرق من صدر الظلام.... كلنا ثقة بقدرةِ شعوبِنا على تخطي التحديات التي تواجهنا، ونؤمن بأن النوايا الحسنة والضمائر الحيّة والإرادة الإنسانية هي مَنْ سَينتصر في معركة الحياة. 

تمنياتي لكم بنقاشات مثمرة خلال اليومين القادمين ...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،