كلمة معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية خلال جلسة حوارية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس

 

المتحدث الأول: أصحاب السعادة، سيداتي سادتي أود أن أرحب ترحيباً حاراً برئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد آل ثاني. الشيخ محمد، في آخر مرة كنت فيها في دافوس، كنت هنا بصفتك وزيراً للخارجية. والآن أضفت إليها رئاسة مجلس الوزراء. نحن نعرف بعضنا منذ بضع سنوات. وقد كنا زملاء سابقين بصفتنا وزيرين للخارجية. ولقد عهدتك قائداً حكومياً تمثل بلدك بقدر كبير من الشجاعة وبنظرة متبصرة أيضاً. كما أعتقد أنك مررت بالعديد من الظروف الصعبة عندما كنت وزيراً للخارجية. لكن ما نتج عن ذلك كان تعيين الأمير لك كرئيس للوزراء. لذا تهانينا على هذا المنصب الجديد.

ينعقد هذا الاجتماع السنوي في دافوس الآن في ظل المشهد الجيوسياسي الأكثر تعقيداً منذ عقود حيث يأمل الجميع ألا تتصاعد الحرب في غزة إلى صراع شامل في المنطقة.  وقد ساعدت قيادتكم ليس فقط في موضوع الرهائن بل في إحلال السلام وتحقيق الصلح. لقد كان ذلك مفيداً، ولكننا نعلم أيضاً أنّ لدينا الآن الوضع في البحر الأحمر وهجمات الحوثيين على النقل وسفن الشحن. فهل يمكننا أن نبدأ حديثنا بوضع البحر الأحمر واستجابة الأمريكيين والمملكة المتحدة تجاه الحوثيين. إلى أي مدى أنتم قلقون بصفتكم أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم؟ هذا طريق شحن شديد الأهمية بالنسبة لقطر، فهل سنشهد نهاية هذا الوضع؟ أم أنّ الأمر أصبح أكثر خطورة الآن مع احتمال المزيد من التصعيد؟ وهل يستطيع الأمريكيون والبريطانيون احتواء الحوثيين؟

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: شكراً يا بورغي على استضافتك لي هنا اليوم، وأود أن أشكر كل الذين شاركوا في هذه الجلسة.

كما ذكرتَ، يصبح عالمنا أكثر تعقيداً ووظائفنا تصبح أكثر تعقيداً هي الأخرى وهذه هي القضية الكبرى. ولكن عندما ننظر إلى الوضع في المنطقة، فإنّ القضية الفلسطينية هي قضية مركزية للغاية في المنطقة بأكملها. وهذا الأمر متوقع منذ بدء الحرب، فقد كنا نحذر باستمرار من خطر اتساع الحرب وتداعياتها على المنطقة، والتي لن تقتصر على غزة فحسب، بل ستتجاوز حدودها. وقد رأينا هذا التصعيد أولاً في جنوب لبنان ثم في سوريا والعراق والآن في البحر الأحمر، وهو ما نرى أنه أخطر تصعيد في الوقت الراهن لأنه لا يؤثر على المنطقة فحسب، بل يؤثر أيضاً على التجارة العالمية. وبالطبع فقد غير هذا الوضع من نظرتنا للتجارة العالمية ومن نظرتنا للشحن الدولي ومن رؤيتنا لمدى الترابط بين الشرق والغرب. فكلما حدث شيء ما في الشرق الأوسط فإنه يؤثر على الجميع. وبالتأكيد فإنّ الغاز الطبيعي المسال يتأثر بهذا الوضع مثل أي شحنة تجارية أخرى. هناك طرق بديلة، وهذه الطرق البديلة ليست أكثر كفاءة.

 

بل هي أقل كفاءة من الطريق الحالي. إلا أنني أعتقد أيضاً أننا إن كنا نريد معالجة هذه المسألة فينبغي علينا أن نعالج المسألة الحقيقة، المسألة المركزية، والتي هي غزة، وذلك لكي ننزع فتيل جميع المسائل الأخرى. وبخلاف ذلك، فإذا كنا نركز فقط على الأعراض ولا نعالج المشكلة الحقيقية، فالحلول ستكون مؤقتة. وفي الوقت الراهن، نحن قلقون للغاية من احتمال حدوث المزيد من التصعيد. وبالطبع، نرى الآن أنّ هناك بعض الرد على الحوثيين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لمنعهم من تعطيل التجارة العالمية، إلا أنّ ذلك من شأنه أن يشكل خطراً أكبر وحدوث المزيد من التصعيد والمزيد من اتساع ذلك. نحن دائما نفضل الدبلوماسية على أي قرارات عسكرية. ونعتقد أنه لا ينبغي التركيز فقط على تلك الصراعات الصغيرة، بل يجب أن نركز على الصراع الرئيسي في غزة. وبمجرد نزع فتيل هذا الصراع فأعتقد أنه سيتم نزع فتيل كل صراع آخر. ولقد رأينا ذلك خلال الأيام الستة أو السبعة من الهدنة التي حدثت في غزة لإطلاق سراح الرهائن. لقد أغلقت جميع الجبهات الأخرى في نفس الوقت، وهذا يوضح لك تأثير تلك القضية المركزية.

 

المتحدث الأول: أود أن أشكرك مجدداً على مساهمتكم فيما يتعلق بالرهائن. ولكن أيضاً بخصوص الهدنة، لقد مر 100 يوم منذ بداية الحرب حتى الآن، ولكننا سنعود إلى القضية الفلسطينية وحل الدولتين وكل ذلك. لكنني أتساءل وأتابع مناقشة ما قلته بخصوص الهجمات على الحوثيين وخطر حدوث المزيد من التصعيد. أعتقد أنه لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهل الهجمات على الشحن الدولي. لكن في نفس الوقت فأنا أعرف أنّ الحوثيين كانوا يهاجمون بشكل رئيسي باستخدام المسيرات بالإضافة لاستخدام بعض الصواريخ. وهنا يكمن التحدي في معالجة مسألة الحوثيين، فأنا أعتقد أنه يمكن إرسال المسيرات من أي مكان، ونحن نعلم أنّ اليمن أرض شاسعة للغاية. فهل سيكون بمقدور حتى القوى العسكرية الكبرى أن تحتوي قدرة الحوثيين على الهجوم في البحر الأحمر؟

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: بالتأكيد، وكما ذكرت مسبقاً فإنّ التأثير على حرية الملاحة هي مسألة عالمية ويجب احتواؤها. وكما ذكرت أيضاً، فإنّ القرارات العسكرية لن تضع حداً لهذه المسألة أو تحتويها. على العكس، فأنا أعتقد أنها ستخلق المزيد من التصعيد. ولك أن تتخيل أنّ الهجمات مستمرة ومهما كان الرد فإنّ الهجمات مستمرة. ولقد رأينا أنّ الرد الذي حدث منذ ثلاثة أيام على هجمات الحوثيين أسفر عن هجوم آخر يوم أمس. والوضع سيستمر في التفاقم. ونرى أنه لن يكون هناك حل دون أن يجتمعوا على الطاولة لمعالجة هذه المسألة بشكل جاد لأنها تؤثر على الجميع.

 

المتحدث الأول: لقد شهدنا بالأمس أيضاً الهجمات الإيرانية في أربيل. وأعتقد أنها ليست مرتبطة بشكل رئيسي بالحوثيين بل هي في الغالب مرتبطة بما حدث في إيران.

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: ليس لدينا الكثير من المعلومات حول الهجوم الذي حصل في كردستان، ولكنني أعتقد أنّ ما لدينا اليوم في المنطقة هو وصفة للتصعيد في كل مكان. ولا يمكننا فصل ذلك، على سبيل المثال، عن الهجمات التي قامت بها داعش في مدينة كرمان في إيران منذ عدة أسابيع. عندما تشهد المنطقة أي اضطرابات فعادة ما ترى لاعبين مختلفين يظهرون هنا وهناك، وهذه هي المشكلة الأكبر.

 

المتحدث الأول: أجل، على الرغم من ذلك فقد حصلت بعض التطورات الإيجابية في العام الماضي فيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي وعلاقتها بإيران. كان هناك تقارب بين الإمارات وإيران وتقارب أيضاً بين المملكة العربية السعودية وإيران. هل تعتقد، وبالطبع كان لديكم دائماً حوار مع طهران، أنّ هذا الأمر مستمر؟ وهل هناك أي طريقة للتعامل مع الحوثيين وما يحدث في لبنان وكذلك مع غزة من خلال الحوار مع إيران؟ أم أنّ ذلك التقارب كان مجرد اندفاع؟

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: إنّ إيران ودول مجلس التعاون الخليجي جيران والتقارب بيننا ضرورة، وليس رفاهية نسعى إليها. أعتقد أنّ هناك تفاهم مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي مفاده أنه من المهم جداً التركيز على كيفية التعامل مع إيران وكيفية خلق أرضية أفضل للمصلحة المشتركة والتفاهم المشترك بيننا والبناء على ذلك والتعامل مع اختلافاتنا من خلال الحوار ومن خلال معالجة القضايا وجهاً لوجه. ونعتقد أنّ هناك فرصة كبيرة ولا يزال هذا الزخم مستمراً داخل مجلس التعاون الخليجي، ولقد رأينا ذلك خلال الاجتماعات المختلفة. ولك أن تتخيل الإمكانات الكبيرة التي ستتحقق إذا اجتمع مجلس التعاون الخليجي وإيران اقتصادياً إذا نظرتم إلى الأمر من هذا المنظور.  بالإضافة إلى تأثير ذلك على الأمن الإقليمي عندما يكون لدينا حوار جاد وصادق حول مختلف قضايا المنطقة التي يمكن احتواؤها من قبل كل تلك البلدان مجتمعةً.

 

المتحدث الأول: بالعودة إلى غزة، لقد مضى 100 يوم على الحرب. لقد كنا سوية في عام 2014 في مؤتمر إعادة إعمار غزة في القاهرة، حيث تعهدت الحكومة القطرية بالكثير وكذلك فعلت الحكومة النرويجية، كما شاركنا في استضافة المؤتمر مع المصريين.

أعتقد أنه هناك الآن حاجة لمؤتمر جديد للمانحين. لكن ليس من السهل البدء في إعادة الإعمار للمرة الثالثة دون حل سياسي. أعتقد أنه سيكون هناك أيضاً استعداد أقل للمساهمة إذا لم يكن هناك مسار سياسي. إذاً، ما هو السيناريو الواقعي لنهاية هذا الوضع في غزة؟ هل سيستمر الإسرائيليون في العودة إلى الوضع قبل عام 2005 عندما انسحب شارون من غزة؟ هل سيبقون؟ وهل هذا الأمر مستدام؟ ما هي الخيارات؟ وما الذي تعتقد أنّ المجتمع الدولي سيطرحه كشروط مسبقة للدعم؟ هناك مليون شخص الآن بدون مأوى وبدون مياه أوصرف صحي.

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: لبعد الحرب في عام 2014 وانعقاد مؤتمر إعادة الإعمار الذي اشتركت كل من النرويج ومصر في استضافته، سمعنا الكثيرَ من الكلام ورأينا العديد من الدول تتعهد بتقديم مبالغ كبيرة لإعادة الإعمار. ولكن لم تمض العديد من الدول قدماً في إعادة الإعمار ولم تتجاوز العديد من التعهدات كونها مجرد تصريحات، وذلك لأنّ معظم الدول لا تؤمن باستدامة الوضع. لقد رأينا ذلك وعشناه طوال هذه الفترة، حيث يحدث من وقت لآخر تصعيد في غزة وكل عامٍ تقريباً نشهد تصعيداً في غزة، ربما على نطاق محدود. ولكن هناك الكثير من التصعيد والدمار في الوقت الراهن، وبالنظر إلى الوضع ومقدار القصف والدمار الذي حدث في غزة حيث قتل أكثر من 23000 شخص، ثلثهم من النساء والأطفال. لم تعد غزة موجودة، أعني أنه لم يتبق شيء هناك بسبب القصف العشوائي في كل مكان. هناك حاجة لإعادة بناء مدينة كاملة مرة أخرى. لا أرى أنّ هناك تعويذة سحرية تعيد الوضع لما كان عليه قبل السابع من أكتوبر وتجعل جميع الدول تعود لتضخ الأموال هناك لإعادة البناء ما لم نعالج القضية الحقيقية، وهي حل الدولتين. وللأسف، فإننا نرى اليوم أنّ بعض السياسيين يعتقدون أنه يمكن غض النظر عن المسألة حتى ينساها الناس.

إنّ ما حدث بعد السابع من أكتوبر يظهر لنا جميعاً أنّ هذه القضية هي قضية مركزية للغاية، ليس بالنسبة للمنطقة وحسب، بل بالنسبة للعالم بأسره. لقد اندلعت الحرب في غزة وللأسف فقد كان رد فعل المجتمع الدولي عليها مخيباً للغاية بالنسبة للمنطقة ولشعوب المنطقة. ورأينا لأول مرة في التاريخ الحديث أنّ وقف إطلاق النار قد أصبح مصطلحاً إشكالياً في هذا الوضع. وأعتقد أنّ هناك الآن مسار واحد نشط فقط ألا وهو المسار المتعلق بتبادل الرهائن ووقف إطلاق النار وهو يواجه الكثير من الصعوبات. ولسوء الحظ، فإنه يخضع أيضاً للكثير من التدقيق من قبل أطراف الصراع. ومع ذلك، نعتقد أنه لا يمكن تجاهل الصورة الأكبر وأننا نحتاج إلى معالجتها الآن. نحن بحاجة إلى معالجة كيفية إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن وكيفية الإفراج عن الرهائن واسترجاع السجناء الفلسطينيين ومعالجة مسألة في الضفة الغربية. ربما وسائل الإعلام لا تنقل الكثير مما يحصل هناك، لكن ما يحدث في الضفة الغربية ليس أفضل مما يحصل في غزة. نعرف أنه لا يحصل قصف عنيف هناك، لكننا نرى القتل والعنف الذي يقوم به المستوطنون ونرى الحكومة المتطرفة تدعو إلى الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.

 

ولا نرى ردة فعل حقيقية من المجتمع الدولي. ولطالما تساءلنا، ماذا لو خرج هذا النوع من التصريحات أو هذا النوع من السلوك من بلد آخر، هل سنرى هذا الصمت من المجتمع الدولي؟ لا أعتقد ذلك! أعتقد أننا بحاجة إلى الاضطلاع بمسؤوليتنا. نحن بحاجة إلى معالجة كلتا المسألتين. نحن بحاجة إلى معالجة الانقسام الفلسطيني ومعالجة حل الدولتين. هذه المسارات الثلاثة تسير جنباً إلى جنب ولا يمكنها التحرك بشكل مستقل. لا يمكن أن يكون لدينا حل الدولتين دون إنهاء الانقسام الفلسطيني. ولا يمكن أن يكون لدينا حل الدولتين دون وجود حكومة وسياسيين في إسرائيل يؤمنون بالتعايش جنباً إلى جنب بسلام. ولا يمكننا الاستمرار في كل هذا دون إنهاء هذه الحرب. وأعتقد أنّ تأثير الأرقام التي نراها والصور التي نشاهدها لن يقتصر على المدى القصير. سيكون لها تأثير على المدى القصير والمتوسط والطويل، وسيكون التأثير الأطول أكثر خطورة علينا جميعاً. فقط تخيل هؤلاء الأطفال والعائلات يرون أقاربهم ووالديهم يقتلون في التفجيرات. ما طبيعة الجيل الذي نتوقعه الذي نتوقعه في منطقتنا أو حتى في أوروبا وغيرها من العالم عندما يشاهد كل هذه الصور ويرى العالم يلتزم الصمت حيال ذلك.  كما تعلم، هذا لن يخلق سوى الحنق والغضب.

 

المتحدث الأول: كنت تقول إنه تم تأجيل العمل على تحقيق حل الدولتين لسنوات عديدة. وها هو يعود الآن إلى قمة جدول الأعمال. لكن كيف يمكنك رؤية حل سياسي محتمل اليوم لتحقيق حل الدولتين؟ بالطبع، يجب أن يبدأ في رام الله مع القيادة السياسية الفلسطينية فيها وحركة فتح أيضاً. كما سيتطلب الحل أن تكون تل أبيب والقدس على استعداد للعودة إلى ما كانتا عليه في عام 2000، وفقاً لمبادئ أوسلو. هل تعتقد أنّ هناك ضغطاً سياسياً كبيراً لتحقيق ذلك لدرجة أننا سنرى زخماً في هذا الاتجاه؟ ثم، من سيمثل الفلسطينيين؟ هل ترى أنّ حماس ستلعب أي دور في ذلك، أم أنّ هذا الأمر لن يكون مقبولاً من قبل كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل؟

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية:  حسناً، أعتقد أنّ سؤالك معقد للغاية وينطوي على العديد من المكونات، لكني سأحاول تبسيط إجابتي. هناك العديد من القضايا فيما طرحته للتو. بادئ ذي بدء، فإن التفاوض على الحل ليس حلاً. في أي صراع في العالم، دائماً ما نضع الحل ثم نتفاوض على كيفية تنفيذ ذلك الحل. المشكلة التي واجهتنا بعد أوسلو هي كيفية التفاوض على حل، وهذا في حقيقة الأمر لم يوصلنا إلى أيّ نتيجة. لذا يعرف الجميع الآن أنّ الحل هو دولتان وفقاً لحدود 1967. نحن نعرف أنّ هناك بعض القضايا العالقة في التنفيذ والتي لا يمكنهم تناولها. إلا أنّ العمل يجب أن يكون محدد الوقت ولا رجعة فيه. لذلك لا يمكننا البقاء رهن انتخابات تحصل هنا أو هناك من شأنها أن تغير وجهة النظر تجاه رؤية الحل. لذلك فنحن بحاجة إلى ما يجعل كل قرار إلزامياً لأي طرف سيصل إلى السلطة في إسرائيل. وكما تعلمون، كنا نسمع من بعض المسؤولين الإسرائيليين، خاصة بعد السابع من أكتوبر، أنهم هم من يسعون من أجل السلام وهم الذين يريدون الحل.

وأنّ العرب هم الذين لا يرغبون في التوصل إلى حل. لقد سمعنا إحدى الخطابات، وأعتقد أنها كانت في مجلس الأمن قبل شهر، تقول بأنهم هم من يسعون من أجل السلام. لكن إذا راجعنا التاريخ، وأعتقد أنه يمكن للجميع البحث في الأمر ببساطة، سنجد أنّ العرب كانوا هم الذين يطرحون الحلول والمقترحات التي لم يقبل بها الإسرائيليون ولو لمرة واحدة ولم يقبلوا حتى بالحديث عنها. لذلك فإننا بحاجة إلى أن نرى اعترافاً من المجتمع الدولي بأنه لا يمكننا ترك هذا الأمر بيد الإسرائيليين وحدهم. أما بالنسبة للشأن الفلسطيني، أعني الشأن الفلسطيني الداخلي، جميعنا يعرف أنّ هناك انقسام وأنّ السلطة الفلسطينية تواجه الكثير من التحديات، لكننا لم نسأل أنفسنا أبداً عن سبب وجود هذه التحديات في المقام الأول. ما هو السبب وراءها؟ من الذي جعلهم مشلولين وغير قادرين على الحكم الفعلي هناك؟ السلطة الفلسطينية في الحقيقة لا تمارس الحكم فالإسرائيليون يسيطرون على كل شيء. هم يدخلون الضفة الغربية ويخرجون منها كيفما يشاؤون. إنهم مهيمنون عليها، فهم مسيطرون على الأمن ويبنون مستوطنات جديدة هناك.

ونرى أنّ كل هذه الأشياء، كما تعلمون، تعقّد أيّ أمل في التوصل إلى حل. وبخصوص سؤالك عن حماس، أياً كانت الخلافات وأياً كان ما نراه، فإنها جزء من النظام السياسي الفلسطيني والشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي بيده خيار أن تكون حماس جزءاً من الحل أم لا. إنه ليس خيارنا ولا خيار الإسرائيليين أو أيّ شخص آخر. وفي نهاية المطاف، نقول دائماً أنه لا يمكنك، إذا كان هناك خلاف واختلاف في الأيديولوجية – ولا أقصد هنا السلوك فهو بالطبع أمر مختلف - فإنّ عليك استبداله بفكرة أفضل، والفكرة الأفضل هي إعادة حل الدولتين إلى الطاولة. ونرى الآن اعترافاً متزايداً من قبل الكثير من شركائنا على المستوى الدولي ونسمع الكثير من الولايات المتحدة الآن حول ضرورة وضع هذا الحل على المسار الصحيح في أقرب وقت ممكن. وهذا أمر بالغ الأهمية، فالولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً ومركزياً في هذا الأمر ونحن نعتقد أنها قادرة على جمع الأطراف من جديد.

 

المتحدث الأول: لقد مضى 24 عاماً منذ أن وضع كلينتون الخطة في كامب ديفيد. وقد كان ياسر عرفات والقيادة الإسرائيلية أيضاً هناك. لقد كنا قاب قوسين من حل الدولتين بناء على ذات المبادئ تقريباً التي طرحتها أنت. وبعد 24 عاماً، لا يبدو أننا في وضع جيد هنا. غزة تعيش كارثة إنسانية، كما أنّ الوضع صعب في الضفة الغربية.

ولكن إذا رأيت الحكومة الإسرائيلية على استعداد للعودة إلى المبادئ التي قامت عليها اتفاقية كامب ديفيد، والتي تتمثل بشكل رئيسي في حدود عام 67 وحل الدولتين، فما هي الضمانات التي تعتقد أنّ الإسرائيليين سيحتاجونها في مثل هذه الحالة لئلا ينتهي بهم المطاف في منطقة يتعرضون فيها للهجوم بالصواريخ وما إلى ذلك؟ هذه الآن إحدى الحجج المقدمة من جانبهم. هل تعتقد أنه يمكن للمرء أن يضمن ذلك في حل الدولتين؟

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: أعتقد أنه حتى كعرب، عندما نقدم مبادرة السلام العربية فذلك سيوفر أفضل ضمان لإسرائيل لتمضي في منح الفلسطينيين دولتهم، حيث أنّ العرب سيطبعون مع إسرائيل. وبعد ذلك، سيكون من الممكن ترتيب كل شيء كالضمانات الأمنية أو الهيكل الأمني للمنطقة بأكملها من أجل ضمان عدم اندلاع المزيد من الحروب في تلك المنطقة. وأعتقد أننا رأينا هذا الاستعداد من قبل جميع البلدان. وبالحديث عن بلدي، كانت قطر أول دولة، بعد مدريد وأوسلو، تستقبل البعثة التجارية الإسرائيلية، حيث وقعنا على قيام علاقات تجارية مع إسرائيل. كنا نأمل أن يكون هناك طريق إلى الأمام نحو تحقيق السلام. غير أنه منذ ذلك الحين وحتى عام 2008 عندما رأينا الحرب، قررنا أن هذا لن يفلح بعد الآن. ونحن نعتقد أنه في ظل عدم معالجة القضية الحقيقية وانعدام رؤية واضحة بشأن إقامة دولة فلسطينية، فإنّ التطبيع وإقامة علاقات مع إسرائيل لن يساعد في التوصل إلى حل، بل سيعمل على إطالة أمد المشكلة حتى تغيب في غياهب النسيان. وأعتقد أننا الآن جميعاً نبدي استعدادنا لمد يد التعاون للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، إذا كانوا على استعداد للمشاركة حقاً في عملية من شأنها أن تقضي إلى منح الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم في نهاية المطاف.

 

المتحدث الأول: أعتقد أنه بوسعنا الاستمرار لمدة 45 دقيقة أو ساعة أخرى في هذا الحديث، إلا أنه لدينا الجلسة الافتتاحية مع رئيس الوزراء الصيني. ولكني أود في النهاية أن ننظر إلى الأمر في سياق أوسع. بالطبع، تقودون في قطر اقتصاداً سريع النمو وأعتقد أنّ لديكم خطة إصلاح أيضاً كرئيس للوزراء، فضلاً عن عملكم في السلام والمصالحة الذي يحظى بتقدير كبير، مع أنه أمر صعب جداً في عالم مجزأ ومستقطب. لذلك ربما بإمكانك في دقيقة واحدة أن تشاركنا الوصفة السرية التي تستخدمونها للقيام بذلك. إذاً لديك دقيقتان للحديث حول التنمية الاقتصادية في قطر ودقيقة واحدة حول الوصفة السرية، ثم دقيقة واحدة كوقت إضافي.

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: شكراً. فيما يتعلق بخططنا، أعتقد أننا نمر بلحظة مثيرة للغاية. استثمرت البلاد على مدى العقدين الماضيين بشكل كبير في البنية التحتية والبنية التحتية للطاقة، حيث تم استثمار حوالي 200 مليار دولار في البنية التحتية. فقط في السنوات العشر الماضية، أنشأنا شركات وطنية وواحداً من أكبر عشرة صناديق ثروة سيادية وأفضل شركة طيران في العالم. وفي مجال الطاقة، نلعب دوراً ريادياً في إمداد الغاز الطبيعي المسال.

 

المتحدث الأول: لقد كنت رئيساً لصندوق الثروة السيادي، أليس كذلك؟ نعم. لدينا الرئيس التنفيذي هنا.

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: وأعتقد أنّ الحكومة تبحث الآن في كيفية الاستفادة من كل ما بنيناه. ودور الحكومة هو الانتقال من كونها مطوّراً إلى جهة تمكينية وتمكين القطاع الخاص للقيام بدور قيادي. وفي العام المقبل سوف نركز بشكل كبير على إصلاح سياساتنا وتغيير بعض الأنظمة لإزالة العقبات أمام الأعمال التجارية. نحن نقوم بتخصيص المليارات لتحفيز القطاع الخاص وتمكينه من أجل قيادة النمو. نريد خلق قوة عاملة مستعدة ومؤهلة لبلدنا. بالطبع، لقد شهدنا، كما تعلمون، الإثارة في مختلف القطاعات. أحد الأمثلة على ذلك هو قطاع السياحة. في عام 2022، خلال كأس العالم، استقبلنا حوالي 2.6 مليون شخص. لقد وصل العدد في نهاية هذا العام إلى 4 إلى ملايين شخص، وهو ما يُظهر النمو والإمكانات الموجودة في البلاد. وبالطبع، ستوفر توسعة حقل الشمال 40% من الإمدادات الإضافية من الغاز الطبيعي المسال في العالم بحلول عام 2029.

 

المتحدث الأول: شكراً لكم من أوروبا.

 

معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: على الرحب والسعة. فيما يتعلق بسياستنا ودورنا في السلم والأمن الدوليين، تحتل الوساطة مكانة أساسية في سياستنا الخارجية وهي جزء من دستورنا. حتى أننا نعتقد دائماً أنها حيوية جداً بالنسبة لنا كدولة صغيرة، إذ يمنحنا هذا السرعة والمرونة للتحرك بشكل أسرع لإنشاء علاقات جيدة مع كل شخص يمكنه المساعدة. ونؤمن أنّ هذه هي مساهمتنا في السلام والأمن العالميين. وكما تعلمون، كان صاحب السمو الأمير دائماً واضحاً جداً في أنه مهما حصلنا عليه من مكتسبات وكما يقولون، لا تمر الأعمال الصالحة دون عقاب. وأياً كان ما نتلقاه من انتقادات وتدقيق في بعض الأحيان لأننا نحافظ على كل هذه العلاقات مع الجميع، فإذا كان الأمر سينتهي بإنقاذ حياة شخص واحد، فهو يستحق ذلك. هذه هي الطريقة التي نعمل بها. تسمعون أحياناً أنّ بعض السياسيين يحاولون إحراز بعض المكاسب السياسية هنا وهناك، بملاحقة الدور القطري. ولكن، في نهاية المطاف، أفعالنا تم إثباتها وقد أثبتنا ذلك طوال الصراعات، وليس في المنطقة فحسب بل خارج المنطقة في أوكرانيا وفنزويلا وتشاد في أفريقيا وجيبوتي وإريتريا وفي غزة مؤخراً بما يخص ملف الرهائن حيث أنّ إطلاق سراح 109 رهينة كان نتيجة المفاوضات وليس نتيجة عملية عسكرية. وهذا يظهر قوة المفاوضات.

 

المتحدث الأول: دعونا نشكر رئيس الوزراء ونصفق له بحرارة.