سمو الأمير يلقي كلمة في جلسة العمل الاولى للقمة العربية

شرم الشيخ/المكتب الإعلامي/ 28 مارس 2015/ القى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى كلمة في جلسة العمل الاولى لاجتماعات مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورتها السادسة والعشرين فيما يلي نصها. بسم الله الرحمن الرحيم فخامة الرئيس / عبد الفتاح السيسي ، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ، أصحاب المعالي والسعادة ، السيدات والسادة ، أود في البداية أن أعرب عن بالغ التقدير لجمهورية مصر العربية الشقيقة رئيسا وحكومة وشعبا على الجهود المبذولة لإنجاح هذه القمة وعلى حسن الاستقبال وكرم الوفادة. كما أتوجه بالشكر والتقدير الى الأخ الكبير صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة على ما بذله من جهود مخلصة وبناءة أثناء ترؤسه لأعمال القمة السابقة، أود التعبير عن تهانينا لأنفسنا وللشعب العماني الشقيق بالعودة الميمونة لأخي جلالة السلطان قابوس بن سعيد ، سالماً معافى متمنيين لجلالته موفور الصحة والعافية . والشكر موصول لمعالي الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية وكافة مساعديه على جهودهم الدؤوبة لخدمة العمل العربي المشترك. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، تنعقد قمتنا هذه في ظل أوضاع إقليمية ودولية معقدة وتحديات خطيرة تواجهها أمتنا العربية، وتأتي القضية الفلسطينية في مقدمة هذه التحديات ، فلن يتحقق السلام والاستقرار والأمن في منطقتنا الا بالوصول إلى تسوية عادلة وشاملة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية والعربية وفق مبدأ حل الدولتين. إن السلام العادل والشامل خيارنا الاستراتيجي الذي حافظنا عليه طوال عقود إلا أن عملية السلام ما زالت تراوح مكانها منذ ما يزيد عن عشرين عاما ، بل وشهدت للأسف تراجعا متواصلا ، فإسرائيل لم تزل مستمرة في اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، وكان آخرها عدوانها على قطاع غزة والحصار الجائر للقطاع ، والاستمرار في عمليات الاستيطان والخطط الاسرائيلية المستمرة لتهويد مدينة القدس، كما عبر رئيس الوزراء الاسرائيلي مؤخرا بوضوح تام عن رفضه قيام دولة فلسطينية ، وحاز معسكره على الأغلبية الانتخابية بعد هذا التصريح. لقد وصلت مفاوضات السلام بآلياتها المختلفة ومبادراتها المتعددة إلى منتهاها في ضوء التعنت الاسرائيلي المستمر ، ولم تعد هناك جدوى من مواصلة هذا المسار الذي بات يغطي على العدوان والاستيطان ، ولذلك فإننا ندعو مجلس الامن الدولي لتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية وإلى أخذ المبادرة لتحديد الإجراءات والتدابير اللازمة لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا للقرارات الصادرة عنه ذات الصلة وفي مقدمتها القرارات ( 242 ) و ( 338 ) بموجب نصوص الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وضمن خطة عمل سياسية واضحة وفي إطار برنامج زمني محدد. كما نؤكد على ضرورة التحرك العربي دوليا لوقف الاستيطان ورفع الحصار عن قطاع غزة الذي يعاني أزمة انسانية غير مسبوقة في التاريخ جراء استمرار هذا الحصار الظالم الذي ينذر بعواقب وخيمة ، فلا يجوز أن يتحول الحصار على الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه إلى حالة طبيعية. ويمكن بسهولة إدراك ما تعنيه اثار حصار مجتمع كامل طوال سنوات على صحته وتعليمه واقتصاده وحياته الاجتماعية . نحن نتوجه إلى المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لرفعه ، وعلينا نحن أيضا أن نفعل كل ما في وسعنا لتسهيل الامور على إخواننا الفلسطينيين من جهتنا. لم تعد شعوبنا تتقبل التناقض بين حديث الدول العربية عن عدالة القضية الفلسطينية والظلم اللاحق بالفلسطينيين من جهة ، والقبول بما يعانيه الشعب الفلسطيني من جهة أخرى. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ، لقد حول النظام السوري بلاده الى ركام ممتد على كامل أراضي سوريا، وتشردت غالبية السوريين ، وأصبحت عرضة للغربة والمنافي في البحار والصحاري. وتعرض الاطفال لأهوال مشاهد القتل والدمار. والنظام سادر في غيه دون رادع . إنه يمارس أكثر أشكال القتل وحشية وأشدها بشاعة بما في ذلك التعذيب حتى الموت والاسلحة الفتاكة ضد المدنيين. ولم يعد أمامنا إزاء هذا الوضع إلا أن نقف سويا وبحزم من أجل إيقاف الحرب ضد الشعب السوري وقفا نهائيا ، يعيد الاستقرار لسوريا ويوفر الأمن والكرامة لأشقائنا السوريين. وعلينا أن نوضح بشكل جازم وقاطع أن هذا النظام ليس جزءا من أي حل. فالحل السياسي يعني تلبية مطالب الشعب السوري وإتاحة المجال أمام القوى المدنية السورية بجميع تياراتها الى تشكيل حكومة انتقالية تعمل على تمهيد الطريق أمام الشعب السوري لتحديد خياراته بنفسه في انتخابات حرة نزيهة وشفافة لرسم معالم مستقبله واستعادة وطنه وحريته وكرامته دون خوف أو إرهاب. لقد سبق أن طرحت الجامعة العربية في بداية التحرك الشعبي السوري حلا سياسيا يؤمن تغييرا سلميا توافقيا وتسوية تشمل النظام نفسه كطرف فيها ، ولكن النظام رفض وأطلق عمليات الابادة والتهجير ضد شعبه . ولا يفوتني هنا أن أؤكد مجددا أن علينا كعرب وعلى المجتمع الدولي أيضا القيام بالواجب الانساني تجاه الشعب السوري في مناطق النزوح في سوريا أو في مناطق اللجوء في دول الجوار، وتقديم كل أنواع المساعدات لهم لمساندتهم وشد أزرهم في مواجهة المصاعب الحياتية التي يعانون منها والتي تفوق قدرة تحمل البشر. ولابد لي هنا من الاشادة بدور أخي الكبير سمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، ودولة الكويت الشقيقة في عقد مؤتمر ثالث لدعم جهود الاغاثة الانسانية للشعب السوري الشقيق. وأخيرا، ألم يحن الوقت أن نسأل : هل سنبقى ننتظر ما سوف يفعله الآخرون في سوريا ؟ لقد اتضحت تماما حدود فعلهم ولم يعد ثمة مجال للتكهن والتحليل. فمتى سوف نتحرك نحن كعرب لإنهاء هذه المأساة بالتنسيق مع من يجب أن ننسق معه؟. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، شهد العالم خلال السنوات القليلة الماضية ، تنامي ظاهرة الارهاب وامتدادها في دول عربية عديدة ، وأصبحت تمثل خطرا جديا على الامن الاقليمي العربي والامن الدولي على حد سواء. ولا يمكن فصل ظاهرة الارهاب عن عوامل عديدة تراكمت على مدى العقود الماضية ، كيأس الخاسرين من عمليات التحديث دون تنمية ، واليأس من إمكانيات التغير السلمي مع سد الدولة الامنية احتمالات الاصلاح ، وسياسات الاقصاء الطائفي والتهميش الاجتماعي وغيرها. وأيا كانت الاسباب ، لا يجوز تبرير الارهاب ، فنحن جميعا ندين الارهاب بكافة اشكاله وصوره ، والواجب علينا جميعا العمل على اجتثاثه من جذوره ، لكونه يهدد مجتمعاتنا ووحدتها الوطنية ، ويشل قدرتها على العطاء والبناء والتفاعل الانساني والحضاري.. أما على المدى البعيد فلا بد من معالجة الأسباب ومواجهة العوامل التي ادت الى بروزه ، مع ضرورة التفريق بين الارهاب ومقاومة الاحتلال وحق الشعوب في النضال من أجل تقرير مصيرها. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، في اليمن الشقيق انطلقنا من أن مخرجات الحوار الوطني الذي تم وفقا للمبادرة الخليجية وبرعاية الامم المتحدة تشكل أساسا متينا لمرحلة جديدة في اليمن على أساس المشاركة بين جميع الاطياف ، على نحو عادل ومتكافئ ، الا ان الاحداث الاخيرة التي قامت بها جماعة انصار الله وبالتنسيق مع الرئيس السابق، هي اعتداء على عملية الانتقال السلمي في اليمن ، وتفرغ نتائج الحوار الوطني من مضمونها وتصادر الشرعية السياسية وتقوض مؤسسات الدولة. والأخطر من هذا كله أنها تزرع في اليمن بذور ظاهرة مقيتة لم تكن قائمة فيه، وهي الطائفية السياسية. ولهذا تتحمل ميليشيات حركة أنصار الله والرئيس السابق على عبد الله صالح المسؤولية عن التصعيد الذي جرى مؤخرا.. لقد بذلت مساع حثيثة لدعوة المعتدين على عملية التحول السلمي للحوار في الرياض ، ولكن رفض الحوثيون ذلك ، أما الرئيس السابق فحاول وضع شروط مسبقة ، ثم جرت بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية دعوتهم الى حوار في الدوحة، فرفضوا ذلك ايضا . وهذا ليس مجرد خطأ ارتكبوه ، بل هو سلوك يعبر عن نهج مثابر في فرض الحقائق على الأرض بقوة السلاح. لقد توجه الرئيس اليمني الشرعي إلى دول مجلس التعاون وإلى الجامعة العربية طالبا حماية اليمن الشقيق وشعبه ومؤسساته واستقراره ، فلبي طلبه على خلفية هذه المعطيات ، ومن منطلق التضامن العربي. إننا ندعو كافة الأطراف والقوى السياسة الى تغليب مصلحة اليمن وشعبه واحترام الشرعية المتمثلة في الرئيس هادي وحكومته المعترف بهما من المجتمع الدولي، بسحب الميليشيات من مؤسسات الدولة والأماكن العامة، والعمل على استكمال تنفيذ العملية السياسية. وعلينا جميعا الاصطفاف الى جانب الشرعية في اليمن ورفض سياسة فرض الامر الواقع ، وذلك للحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره. ولن تألو دولة قطر جهدا في تحقيق ذلك بالتعاون مع الاشقاء. كما أن موقفنا ثابت إزاء تطورات الاوضاع في ليبيا الشقيقة، وسيبقى داعما للحوار الوطني بين جميع الاطراف ، انطلاقا من رؤيتنا في أنه لا حل عسكري في ليبيا ، وأن المخرج الوحيد من تداعيات الازمة هو حل سياسي يحترم ارادة الشعب الليبي ويلبي طموحاته المشروعة في الامن والاستقرار ويهيئ الظروف لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، بمشاركة جميع القوى السياسية والاجتماعية الليبية ودون اقصاء او تهميش بعيدا عن التدخلات الخارجية. وفي هذا الصدد نؤكد على دعمنا ومساندتنا ، للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة ، ودول الجوار الليبي، والهادفة الى تفعيل الحوار الوطني بين جميع مكونات الشعب الليبي الشقيق للوصول إلى حل سياسي يحقق تطلعات وآمال الشعب الليبي. كما أن التضامن مع العراق وتقديم الدعم والعون له في مواجهة الاخطار التي يتعرض لها مسؤولية عربية في المقام الاول ، وذلك من خلال مساعدته على إطلاق عملية سياسية شاملة لتحقيق المصالحة الوطنية بين جميع مكونات الشعب العراقي لتكريس نمط جديد من العلاقات السياسية والاجتماعية تزول فيها كل النزاعات المذهبية والطائفية والعرقية ، وتؤسس لمرحلة جديدة تكفل مشاركة الجميع ، وتستجيب لتطلعات الشعب العراقي بجميع مكوناته، من أجل بناء وطن يتمتع فيه كل العراقيين بالحقوق المتساوية ، والمواطنة الكاملة ، والعيش الكريم ،ومساعدته أيضا على مواجهته للإرهاب، وبما يحفظ سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، نحن ننظر بإيجابية تامة إلى الجهود الدولية لحل الخلافات مع إيران حول مشروعها النووي سلميا. كان هذا نهجنا دائما في دعم السلام والاستقرار في منطقة الخليج. وفي هذه المناسبة أؤكد على علاقات حسن الجوار مع إيران التي نعتبرها جزءا لا يتجزأ من منطقتنا ومن أمتنا الإسلامية، ونؤكد أيضا أن علاقة حسن الجوار تقوم أيضا على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وإن تعدد الطوائف والمذاهب في أمتنا العربية هو مصدر غنى ثقافي وحضاري. إنه جزء من هويتنا العربية المركبة، وليس سببا للتدخل في شؤوننا الداخلية. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إن تحقيق التنمية لشعوبنا هي المرتكز الأساسي لاستقلال إرادتنا وقرارنا، وهي الضامن للحياة الكريمة لشعوبنا والمكانة اللائقة به في الأسرة الدولية. ومن هذا المنطلق يتعين علينا تحرير التنمية في بلادنا من الضغوط والمؤثرات الخارجية السلبية والنظام غير العادل للعولمة وهو ما يتطلب تحقيق التكامل الاقتصادي الحقيقي والفعلي بين دولنا العربية، ولا سيما في مجالات الأمن الغذائي ، وتكامل سياسات التربية والتعليم، وتنمية المناطق المهمشة. لقد رأينا كيف اندمجت الدول الأخرى في تكتلات اقتصادية إقليمية للمحافظة على مصالحها ، بينما جهودنا حتى الآن لم تحقق الوحدة الاقتصادية المأمولة. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، مع انعقاد هذه القمة ، تكمل الجامعة العربية عامها السبعين ، وخلال تلك العقود الطويلة ، شهدت المنطقة العربية والعالم تطورات ، وعصفت بهما أحداث جسام ولا شك أن الجامعة العربية ظلت مستمرة في أداء واجبها ، بوصفها أملا للشعوب العربية في تحقيق التضامن وتوحيد الصف ، وظل الايمان بدورها ومكانتها العامل الحاسم في بقائها واستمرارها ولكن الجامعة لم ترتفع الى مستوى أمل الشعوب وحاجات الأمة في هذه المرحلة التاريخية. وقد آن الأوان لإصلاحها والارتقاء ببنيتها وهياكلها الى مستوى التحديات التي تواجهها الآمة . فعند كل منعطف تاريخي يثبت أنه لا يكون معنا أحد كعرب إذا لم نكن نحن مع أنفسنا، وإذا لم نفعل نحن ما يجب فعله. أسال الله العلي القدير أن تخرج هذه القمة بالقرارات التي من شأنها خدمة العمل العربي المشترك والوصول به إلى آفاق أرحب تحقق الطموحات التي تنشدها شعوبنا العربية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .