بيان ردا على مزاعم السعودية وادعاءاتها بشأن الحصار الجائر
الدوحة – المكتب الإعلامي - ٩ سبتمبر
في الوقت الذي كان يجدر فيه بجميع أطراف الأزمة الخليجية التعاون مع الوساطة الكويتية عوضاً عن اللجوء لتصعيد التوتر في المنطقة، فوجئنا في دولة قطر بإصدار المملكة العربية السعودية في السابع من سبتمبر 2019 بياناً لا يقوم على أسس حقيقية ويكرر ذات المزاعم التي اتضح عدم استنادها للوقائع لذا، تجد وزارة الخارجية في دولة قطر نفسها مضطرة للرد على محاولات لي عنق الحقيقة ونشر بيانات بعيدة عن الحقائق وتخدم حسابات ضيقة.
تدعي المملكة العربية السعودية بأن الإجراءات التعسفية التي اتخذتها ضد دولة قطر وشعبها لم تكن إلا قطعاً للعلاقات القنصلية والدبلوماسية. إلا أن الحقيقة هي أن الإجراءات التعسفية غير القانونية التي اتخذتها السعودية استهدفت دولة قطر وشعبها على حد سواء، ومنها إغلاق المعبر البري الوحيد لدولة قطر، وإغلاق المعابر الجوية والبحرية، وطرد جميع القطريين من الأراضي السعودية ومن ضمنهم (معتمري بيت الله الحرام في شهر رمضان المبارك لعام ١٤٣٨ هجرية) ، هذا بالإضافة إلى استمرار الممارسات العنصرية ضد قطر وشعبها بكل طريقة ممكنة. كما أن المملكة العربية السعودية تزعم بأنها ترحب بالقطريين في أراضيها، بينما تم تسجيل عدد من حالات الاخفاء القسري لمواطنين قطريين في المملكة، ومنها حادثة الاخفاء القسري الأخيرة بحق مواطن قطري وابنه، وفقاً لبيان اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان رقم 6 لسنة 2019 وقد طالبت مؤسسة العفو الدولية في رسالة لها بتاريخ ٣ سبتمبر ٢٠١٩ السلطات السعودية بالكشف عن مصيرهما. ومن المؤسف أيضاً أن تكرر السعودية أسطوانة دعم الإرهاب المشروخة التي لم يصدقها أحد في العالم، حيث أن دولة قطر تستضيف التحالف العالمي ضد داعش، كما أنها عضو مؤسس لمركز مكافحة تمويل الإرهاب، والذي أنشئ في الرياض في مايو 2017، أي قبل فرض الحصار الجائر على دولة قطر بشهر واحد فقط علما بأن جهود قطر لمكافحة الإرهاب إلى جانب دول الخليج الأخرى في المركز مستمرة.
أيضا من المفارقات الغريبة في بيان السعودية أنها تشير إلى "القانون الدولي" وهي التي لم تترك موطناً إلا وخرقت فيه هذا القانون الذي تدعي احترامه. إن محاولات السعودية تبرير حصارها لقطر عبر استخدام القانون الدولي ذريعةً زائفة يقودنا للتساؤل: لماذا تجنبت السعودية تحمل مسؤولية أعمالها أمام أجهزة الأمم المتحدة المحايدة؟ والإجابة الواضحة هي أن السعودية عندما أدركت وجود احتمالية تحقيق حقيقي ومحايد يستعرض ويحلل حقائق هذه الأزمة، حاولت التشويش على هذه الجهود.
على سبيل المثال، دعت دولة قطر المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في سبتمبر 2017 إلى إرسال وفد تقني للدوحة، وتعاونت دولة قطر مع هذا الوفد على أمل التوصل إلى الحقائق. بالطبع، اتخذت المملكة العربية السعودية نهجاً معاكساً تماماً، حيث تجاهلت دعوة المفوضية السامية لإرسال فريق تقني إلى السعودية لمعاينة تجاوزات الحصار على الأرض، ورفضت التعاون مع أجهزة الأمم المتحدة الأخرى. وقد نشرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريرها والذي وجد أن السعودية قامت بالفعل بفرض إجراءات تعسفية ضد الشعب القطري والمقيمين في قطر ومنها حد حركة التنقل، إنهاء أو تعطيل الحركة التجارية والمالية والاستثمارية، وتعليق التبادل الثقافي مع دولة قطر، وخلص التقرير إلى أن "العديد من هذه التدابير لها تأثير دائم محتمل على التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية للمتضررين".
إن أسلوب المملكة العربية السعودية المبني على الإنكار لم يتغير، حتى بعد مرور ثلاث سنوات على هذه الأزمة التي مزقت النسيج الاجتماعي الخليجي. تستمر الرياض في خرق القانون الدولي وممارسة التجاوزات ضد دولة قطر بشكل مستمر، مما أدى بدولة قطر إلى رفع شكوى ضد المملكة أمام لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وهي لجنة دولية تتكون من خبراء يعملون على ضمان احترام جميع أعضاء الاتفاقية لبنودها، ومنهم المملكة العربية السعودية، التي انضمت لهذه الاتفاقية في 23 سبتمبر 1997.
وفي هذه الشكوى، قدمت دولة قطر أدلة على الانتهاكات الأساسية والمقلقة للغاية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وتضمنت هذه الأدلة توثيقاً بأن المملكة العربية السعودية فرقت بين أطفال وذويهم، وبين أزواج وزوجاتهم، ومزقت عوائل في المنطقة. لقد تدخلت السعودية في العناصر الأساسية للحياة اليومية للكثيرين سواء داخل دولة قطر أو السعودية أو الدول الأخرى بشكل عشوائي وغير مميز لكل حالة على حدة، بما في ذلك التأثير على قدرة المتعرضين لهذه الإجراءات على ممارسة الشعائر الدينية وتلقي الرعاية الطبية والحصول على التعليم والعمل والتملك من أجل إعالة أنفسهم وأسرهم، لمجرد أنهم قطريون أو متزوجون من قطريين أو أبناء قطريين أو مرتبطون بقطر بشكل أو بآخر. وقد ادعت السعودية بأنها ستنظر بعين الرأفة إلى العوائل المختلطة عن طريق تخصيص خط اتصال ساخن بالإضافة إلى عدد من الخطوات الأخرى، ولكن تبين بأن هذه الخطوات زائفة وغير عملية كما وثقت المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة هيومن رايتس ووتش. هذا بالإضافة إلى أن السعودية كانت قد جرمت بعض أشكال التعاطف مع دولة قطر، ومنها التهديد بأن أي انتقاد لسياسات السعودية التعسفية ضد قطر، قد يعرض الشخص لعقوبة الحبس لمدة تصل إلى خمس سنوات. إن تجريم التعاطف مع دولة قطر يعد جريمة ضد حق حرية التعبير وأدى بلا شك إلى خلق مناخ من الخوف للقطريين وأقاربهم وأصدقائهم غير القطريين. وهنا نذكر بأن رباعي الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) كان قد أصدر قائمة مطالب غير منطقية ولا يمكن تطبيقها تضمنت إغلاق عدد من القنوات الإعلامية، وهذا انتهاك صارخ لحق حرية التعبير، ومخالفة واضحة للقانون الدولي الذي يحمي حرية التعبير والذي تدعي الرياض بأنها تحترمه.
إن رد المملكة العربية السعودية على الانتهاكات التي وثقتها دولة قطر بالأدلة كان مماثلاً للبيان الذي أصدرته مؤخراً. فبدلاً من أن تتجاوب مع لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ادعت المملكة بأن النظر في مسألة الحصار ليس من اختصاص اللجنة ولا يقع ضمن إطار عملها. ولكن قبل عدة أيام، وتحديدا في 2 سبتمبر 2019، أعلنت اللجنة عن قرارها الذي يرفض موقف الرياض جملة وتفصيلاً، حيث ذكرت أن الاتفاقية تنص على أن تضمن الدول الأطراف أن لا يخضع غير المواطنين للطرد الجماعي، لا سيما في الحالات التي لا توجد فيها ضمانات كافية بأن الظروف الشخصية للأشخاص المعنيين قد أخذت في الاعتبار، كما يجب عليهم تجنب طرد غير المواطنين، خاصة المقيمون منهم على المدى الطويل، حيث أن ذلك يؤثر بشكل كبير وغير متناسب على حق الأسر في الحياة. وخلصت لجنة القضاء على التمييز العنصري إلى أن اعتراضات المملكة العربية السعودية "يجب رفضها".
إن دولة قطر ملتزمة بسيادة القانون الدولي. ولا أدل على ذلك من أنها في كل منعطف من منعطفات هذه الأزمة اختارت أن تتعاون مع آليات القانون الدولي للتوصل إلى حل سلمي. لذا فإنها تدعو المملكة العربية السعودية إلى أن تحذو حذوها وأن تكون لديها الشجاعة لتقديم ادعاءاتها وأدلتها إلى الهيئات الدولية المستقلة والتعاون مع جهود الوساطة الكويتية المستمرة للتوصل إلى نهاية لهذه الأزمة. إن حل هذه الأزمة ورفع الحصار غير القانوني المفروض على قطر منذ 5 يونيو 2017 لن يعود بالفائدة على القطريين فقط، بل أيضاً على الأشقاء السعوديين الذين يعانون أيضًا من التدابير التي اتخذتها حكومة المملكة العربية السعودية ضد القطريين، ومنهم آباء، وأمهات وإخوة وأخوات وطلاب وأصدقاء الشعب السعودي.