كلمة
سعادة الشيخ/ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني
نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية
أمام
الدورة السادسة والثلاثون لمجلس حقوق الإنسان
(11 سبتمبر 2017)
بسم الله الرحمن الرحيم،
السيد رئيس مجلس حقوق الإنسان،
السيد المفوض السامي لحقوق الإنسان،
أصحاب السعادة،
السادة رؤساء أعضاء الوفود،
الحضور الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني المشاركة في أعمال هذه الدورة مثمنا جهود مجلسكم الموقر في سبيل تعزيز وحماية حقوق الإنسان وصون كرامته في جميع البلدان، وأؤكد أن دولة قطر تولي اهتماما كبيرا لعمل هذا المجلس وتعول عليه كآلية مثلى في إطار منظومة الأمم المتحدة لتعزيز الاحترام العالمي لجميع حقوق ومبادئ حقوق الإنسان.
أصحاب السعادة،
أن احترام حماية حقوق الإنسان تأتي على رأس الأولويات في دولة قطر إلى جانب التنمية البشرية بمفهومها الواسع وذلك في ظل توافر الإرادة السياسية الراسخة لتعزيز وحماية هذه الحقوق و قد أفضى ذلك إلى إنشاء منظومة تشريعية وكيانات مؤسسية حكومية وغير حكومية عملت على تحقيق تنمية شاملة محورها الإنسان، وفي هذا السياق تضمنت رؤية قطر الوطنية 2030مرتكزات تتناول بشكل رئيسي حقوق الإنسان بما في ذلك مجالات شتى مثل التعليم والصحة والبيئة وتمكين المرأة وحقوق الطفل، وكذلك استراتيجية التنمية الوطنية الأولى والثانية التي تسعى إلى تحويل أهداف هذه الرؤية إلى واقع ملموس. وكنتيجة لذلك فإن دولة قطر تشهد حاليا نهضة شاملة في جميع المجالات وتبوأت مواقع متقدمة في المؤشرات الدولية المعنية بالتنمية البشرية واحتلت الصادرة في المنطقة العربية في موضوعات رئيسية كجودة التعليم وتحسين الرعاية الصحية ومعاملة ذوي الإعاقة وقضايا المرأة والطفل والاهتمام بالشباب والرياضة والثقافة ومكافحة الفساد الإداري.
السيد الرئيس،
يشكل استخدام سياسة القوى بكافة أشكالها في السياسة الداخلية والخارجية سببا رئيسا في هدر عدالة النظام الدولي ما ينعكس سلبا على احترام وحماية حقوق الإنسان إضافة إلى تهديد الأمن والسلام والتعايش السلمي في المجتمع الدولي.
ومن هذا المنطلق حرصت على مخاطبة مجلسكم الموقر حيث تتعرض دول قطر منذ أكثر من ثلاثة أشهر لظروف وتحديات استثنائية بسبب فرض عدد من الدول حصارا غير مشروع عليها وينتهك بشكل واضح القوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان وبخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بنتائج مؤتمر قمة العالم الصادر في 16 سبتمبر 2005 وأحكام القانون الدولية والقواعد التي تحكم العلاقات بين الدول.
وكما تعلمون فقد بدأت هذه الأزمة بارتكاب جريمة قرصنة للموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية ونشر أخبار كاذبة تم نسبتها إلى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – أمير دولة قطر، ثم تبعتها حملات إعلامية مغرضة ضد دولة قط ونشر مزاعم واتهامات باطلة لا تستند على أي أدلة أو براهين على دولة قطر تمول الإرهاب ما يؤكد وجود نية سياسية مبيته خلف هذه القرصنة .
الحضور الكرام،
ومنذ اليوم الأول للحصار قامت دول الحصار بغلق المجال الجوي والبحري والبري بالمخالفة لأحكام القانون الدولي وقواعد التجارة الدولية، والذي كان له تأثير سيء على حرية التجارة والاستثمار. كما قامت هذه الدول باتخاذ العديد من الإجراءات غير المشروعة التي تشكل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان المدنية والاقتصادية والاجتماعية والتي كان من بينها حضر دخول المواطنين القطريين إلى أراضيها أو المرور عبرها فضلا عن منع مواطنيها من السفر إلى دولة قطر أو الإقامة فيها، وقد ترتب على ذلك تشتيت العديد من الأسر وأفرادها لا سيما النساء والأطفال وحرمان العديد من الطلاب القطريين من حقهم في مواصلة تعليمهم بالجامعات. كما تأثرت العديد من الحريات والأساسيات الأخرى كالحق في العمل بالنسبة لمواطني تلك الدول الذين يعملون في دولة قطر والذين تم إرغامهم على العود إلى بلادهم، والحق في التملك والتصرف بالملكية الخاصة سواء بالنسبة إلى المواطنين القطريين في دول الحصار أو الخاصة بمواطنين هذه الدول في دولة قطر، وحرية التنقل ولا تزال هذه الانتهاكات مستمرة.
في هذا الصدد يتعين على المجتمع الدول تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية لتجنب تحميل الشعوب الخلافات السياسية بين الحكومات، فمن الصعوبة بما كان فهم تحميل الشعوب ثمن هذه الخلافات، ولم يقتصر نطاق هذه الانتهاكات والابرار عن الأفراد بل تجاوزها إلى الكيانات العاملة في المجال الإنساني حيث أصدرت هذه الدول فيما بينها قائمة مشتركة معدة بصور انفرادية ادرجت فيها عدد من الكيانات والأفراد ووصمها بالإرهابيين والتي تم رفضها من الأمم المتحدة لأنها تخالف الشرعية الدولية وحقوق الإنسان، ولا شك أن هذه القائمة غير المشروعة تضع عقبات تجاه تنفيذ العمل الإنساني والتنموي الذي تقوم به المنظمات العاملة في المجال الإنساني والتي يتمتع بعضها بالصفة الاستشارية لدى الأمم المتحدة وليدها شراكات واسعة مع مختلف وكالات الأمم المتحدة، ولا شك أن هذه الإجراءات غير المشروعة تفتح المجال أمام مجال تسيس مصطلح الإرهاب وفقا للمصالح الضيقة في بعض الدول وتنذر بعواقب وخيمة على الأمن والاستقرار العالمي الأمر الذي يحتم على المجتمع الدولي أن يكون له موقفا واضحا حازما لموجهة المعايير المزدوجة المتعلقة بمصطلح الإرهاب.
السيد الرئيس،
لقد امعنت دول الحصار في الاستمرار في مخالفة أحكام القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان فقد حاولت منذ بداية الأزمة إخفاء الحقائق عن الرأي العام العالمي بما في ذلك مواطنيها، وقد سخرت كافة الوسائل في خدمة أهدافها السياسية ومن بينها حجب القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى داخل دولهم، كما تم توجيه ادعاءات واتهامات باطلة لا دليل عليها ولا سند لها بأن دولة قطر تدعم الإرهاب من أجل نشر مشاعر معادية لدولة قطر وشن حملات إعلامية بدول الحصار لبث خطاب الكراهية والتحريض ضد دولة قطر، ومن المؤسف قيام رجال الدين والمؤسسات الدينية بدور في هذا الشأن بالمخالفة للقيم والمبادئ الدينية والأخلاقية.
كما ذهبت بعض دول الحصار أبعد من ذلك عندما أصدرت مراسيم وقوانين تعاقب بالسجن والغرامة الأشخاص الذين يعربون عن تعاطفهم مع دولة قطر أو اعتراضهم عن التدابير التي اتخذتها حكوماتهم الأمر الذي لا يمكن تسمية إلا إرهابا فكريا ويشكل انتهاكا واضحا وصارخا للحق في حرية الرأي والتعبير، وهذا ما أكده المفوض السامي لحقوق الإنسان في بيانه الصادر بتاريخ 14 يونيو 2017، ولم يعد يخفى على أحد الدوافع الحقيقية وراء الحصار وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر هي ليست محاربة الإرهاب، فسياسات هذه الدول بالمجمل لا تصب في مصلحة الحرب على الإرهاب على أقل تقدير، إنما هي محالة لفرض الوصاية والتدخل في السياسة الخارجية لدولة قطر وتقويض سيادتها والتدخل في شؤونها الداخلية وهو ما يشكل انتهاكا للقانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة في العلاقات بين الدول – الأمر الذي نقبله ولن تقبله إي دولة في العالم تتمتع بالاستقلالية والسيادة الكاملة.
إن من يتهم خصومة ومعارضيه السياسيين في الداخل والخارج بالإرهاب لمجرد أنهم يعارضوه ليس جديا في مكافحة الإرهاب ولا هو منشغلا بها، وقد تولد السياسات بحد ذاتها التطرف العنيف.
السيدات والسادة،
رغم عمق الجرح الغائر في قلوب الشعب القطري الذي سببته إجراءات وسياسات دول الحصار ورغم المستوى المتندي للخطاب الإعلامي لدول الحصار وامتهانه سياسة نشر الأكاذيب والافتراءات ورغم خروج الخطاب الرسمي لبعض مسؤولي هذه الدول عن الإطار الدبلوماسي المحترم دوليا إلى مستوى غير مسبوق حتى في خطاباتهم تجاه من يعتبرونهم أعداءهم، وانطلاقا من الإيمان الراسخ لدولة قطر بأن الحل الأمثل للنزعات هو الحوار فإن دول قطر تجدد تقديرها وتثمينها البالغين ودعمهما للوساطة الكويتية التي يقوم بها سمو الشيخ صباح الجابر الأحمد الجابر الصباح – أمير دولة الكويت الشقيقة، ونؤكد على استعداد دولة قطر للحوار لإنهاء هذه الأزمة في إطار الاحترام المتبادل والحفاظ على سيادة الدول بعيدا عن الإملاءات وإنما على شكل تسويات تجعلها التزامات جماعية متبادلة.
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
إن الإرهاب بكافة أشكاله وصوره يمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وعلى رأسها الحق في الحياة والأمن، وتؤكد دولة قطر على موقفها الثابت لفرض الإرهاب والإيديولوجيات التي تدعوا إليه وتبرره وإدانته بكافة صوره وأشكاله ومهما كانت أسبابه ودوافعه، كما تؤكد على التزامها بجميع الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب وتمويله وهي عضو فاعل في التحالف الدولي لمحاربة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، وفي هذا السياق حرصت دولة قطر على اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز جهودها في مكافحة الإرهاب وقامت بالتصدي للأسباب الجذرية لظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف من خلال دعم مشاريع التعليم وتعزيز قيم الحوار والتسامح الديني ونشر السلام وتوفير فرص العمل للشباب واستكمالا لهذا الجهود ستستضيف الدوحة الاجتماع السابع للصندوق العالمي لإشراك المجتمعات المدنية ومساعدتها على الصمود ضد التطرف العنيف وذلك خلال شهر ديسمبر المقبل.
السيد الرئيس،
إن التصدي للتحديات التي تواجه تعزيز وحماية حقوق الإنسان في العالم تفرض مقاربة شاملة لحماية هذه الحقوق من خلال التنفيذ الكامل والصحيح لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان و قرارات الشريعة الدولية وعدم افلات المجرمين من العقاب على المستوى الوطني والدولي، وفي هذا السياق يتعين على المجتمع الدولي اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة في عديد من مناطق العالم وبخاصة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في فلسطين وسوريا وميانمار وغيرهم من الدول الأخرى.
وختاما يتعين على مجلسكم الموقر اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة التي تعزز احترام مبادئ ومعايير حقوق الإنسان كمبادئ سامية يجب أن تحكم حياتنا ومجتمعاتنا باعتبارها الضمان لاحترام الإنسانية ولن تدخر دول قطر وسعها في التعامل مع مجلسكم الموقر في تطوير آليات الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها دوليا وإقليميا في كل ما من شأنه أن يعزز ويحمي حقوق الإنسان في العالم.
أشكركم على حسن الاستماع
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،