بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،
يطيب لي في البداية أن أحييكم وأن أرحب بكم في الدورة الثالثة عشرة لمنتدى أمريكا والعالم الإسلامي التي تتسم في الوقت الراهن بأهمية خاصة في ظل الظروف والتحديات التي يشهدها العالم، والتي زادت فيها حدة النزاعات والانقسامات السياسية والايدلوجية مما أدى إلى عدم الاستقرار في العديد من مناطق العالم وبعض القضايا العادلة للشعوب مازالت دون حلول بالرغم من صدور عدة قرارات أممية بشأنها، الأمر الذي يتطلب توجيه الجهود الدولية نحو تطبيق القرارات وإنفاذ الشرعية الدولية ووقف ازدواجية المعايير في هذا الشأن ونشر ثقافة التفاهم والتعايش رغم الاختلاف بعد تحقيق العدالة ولو نسبيا، إذ لا يمكن أن نسمي واقع الاحتلال أو الطغيان تعايشا مع الآخر. وتستدعي المصالح والمسؤوليات المشتركة التي تجمع بين دول العالم الإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية مواصلة العمل لتعميق العلاقات القائمة على أساسها وحمايتها وتعزيز التعاون من خلال الحوار الدائم والصريح على أسس من الاحترام والتفاهم المتبادل التي يجب تكريسها كمبادئ للتعامل بين الدول كافة.
وانطلاقا من الإيمان الراسخ بأهمية الحوار لبناء عالم يسوده التسامح والتعاون والسلام والثقة بين الأمم فقد بذلت دولة قطر ومازالت تبذل جهودا متواصلة لترسيخ الحوار بين الحضارات والتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة، وأنشئت من أجل ذلك مؤسسات وطنية مثل مركز الدوحة لحوار الأديان فضلا عن منتدى الدوحة السنوي واستضافة العديد من المؤتمرات واللقاءات التي تعزز هذا التوجه، وإن استمرار انعقاد هذا المنتدى هو خير دليل على ذلك . وفي هذا السياق أشير إلى أن هذا المنتدى نشاء عام 2002 تحت اسم مؤتمر الدوحة حول العلاقات الأمريكية مع العالمين العربي والإسلامي، وجاءت هذه النشأة ضمن الجهود العالمية لمعالجة تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية في العام 2001 التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية على العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي وأيضا لمد جسور التفاهم والتقارب بين الثقافات والدول والشعوب في مواجهة التطرف.
الحضور الكرام،
لقد شهدت الفترة السابقة تزايدا لمظاهر التعصب والفهم الخاطئ للدين وتسخيرا انتقائيا لنصوص دينية لخدمة غايات سياسية، ولا شك إن نشر قيم تفهم الآخرين واحترام ثقافاتهم ومعتقداتهم ونبذ التطرف والحقد والكراهية والعنصرية من المهمات الملحة التي تقع على عاتق القوي العقلانية في مواجهة من يحرضون على استخدام العنف والإرهاب ضد الأبرياء باستخدام أيدولوجيات متعصبة أو خلف ستار الدين بتحويله إلي أيدولوجية في خدمة مأربهم، وفي هذا السياق، نؤكد على أن الأديان في حد ذاتها بريئة من الإرهاب لكن المتطرفين الذين يعملون على نشر دعوات التعصب والانعزال وجدوا ويوجدون في كافة المجتمعات و الدول وينتمون إلى مختلف الديانات ولكن غالبية المتدينين في العالم تري في الدين إيمانا و عبادة واخلاقا وواجبات تجاه الله و الإنسان الآخر، ومن نافلة القول أن غالبية المتدينين – ومنهم المتدينين في عالمنا- تنبذ الإرهاب وفي خضم صراعنا مع الارهاب علينا أن نذكر دائما أن الإرهاب ليس ظاهرة شعبية أو جماهيرية فثمة أسباب اجتماعية وسياسية لنشوء الإرهاب ولكن ثمة عوامل ايدلوجية أيضا، و لاشك أن العلاقات بين الولايات المتحدة ودول العالم الإسلامي يمكنها أن تؤثر عليها وتتأثر بها ومن هذا المنطلق تبدو حاجة المجتمع الدولي إلى الكثير من قنوات التواصل و منصات الحوار مثل هذا المنتدي لمد الجسور وترسيخ التعاون بين الشعوب والدول والتسامح بين أصحاب العقائد وأتباع الديانات والمذاهب المختلفة والعمل على معالجة التشويه الذي يحدثه المقرضون والجهلة والمتطرفون من الشرق و الغرب وتصحيح المفاهيم الخاطئة والتصدي للتيارات التي تعمل علي نشر الكراهية و التطرف والعنف وسد آفاق الحوار والتقارب بين الشعوب.
السيدات والسادة،
إن الرغبة في تحقيق السلام تمثل شعوراً وتطلعاً إلى جميع شعوب العالم، وفي هذا السياق، تواجه العلاقات المتميزة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة الامريكية تحديا كبيراً يتمثل في تسوية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط، فلم يعد مقنعا للراي العام العالمي استمرار الفشل في تحقيق السلام بسبب السياسات الانتقائية في تطبيق قرارات الشرعية الدولية والكيل بمكيالين، وتفضيل سياسة الأمر الواقع على مبادي العدالة والإنصاف لتحقيق المصالح القصيرة المدي ومن الضروري لسحب البساط من تحت الأيدولوجيات المتطرفة، تحقيق العدالة والمساواة وترسيخ الديمقراطية وسيادة القانون في العلاقات بين الدول أيضا، واحترام سيادة الدول، وفي هذا السياق، نتطلع إلى المجتمع الدولي وبخاصة الولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة التي أعلنت عن رغبتها في تحقيق السلام في الشرق الأوسط والتي نثمن جهودها في هذا الشأن لبذل الجهود لإعادة استئناف جهود المفاوضات الجادة لتسوية القضية الفلسطينية وإنهاء احتلال الأراضي العربية بناء على برنامج زمني محدد ووفق قرارات الشرعية الدولية ومبادئ السلام العربية علي أساس مبدأ حل الدولتين الذي توافق عليه المجتمع الدولي وإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
السيدات والسادة،
أصبحت ظاهرة الإرهاب مصدر خطر محدق بكافة الشعوب، وأشير هنا إلى أن العنف وانتشار خطاب الكراهية في مناطق التوتر والصراعات قد أسهم في نشوء التنظيمات الإرهابية أو في توفير بيئة حاضنة لها، كما ساهم تقاعس المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، عن إيجاد حلول للقضايا العادلة وتسويات للصراعات والنزاعات في تهيئة البيئة الراعية للإرهاب. ومن المؤسف في هذا الصدد، أن نلحظ بأنه كلما ازدادت الصراعات والنزاعات ومعاناة الشعوب، كلما ازداد عجز المجتمع الدولي وآلياته عن التصدي لها، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بمحاربة هذه الظاهرة وبوصفها خطراً يهدد الأمن الفردي والجماعي ويهدر حقوق الإنسان. وفي هذا الصدد، أكدت دولة قطر دوماً رفضها المطلق لجميع أشكال التعصب والتطرف وما تولده من عنف وإرهاب. كما دعت إلى ضرورة الإسهام الجاد ضمن إطار الجهود الدولية في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة التي تتناقض مع قيم كل الديانات السماوية والحضارات الإنسانية، مع الحرص على تفكيك عوامل توليدها من جديد. وأقصد تلك التي تؤدي إلى الاحباط وانسداد الأفق أمام الشباب مثل الفقر والبطالة والإقصاء والتهميش والبيئة العنيفة التي تسود في ظل أنظمة الطغيان والجهل والتمييز على أساس الهوية في مناطق عدة من العالم. ولاشك أن العامل الأيديولوجي المتمثل في صياغة تطرف ديني أو علماني يلعب دوراً لا يستهان به ولا مناص من مواجهته. ولكن من المهم في الوقت ذاته، التأكيد على أن التطرف والحركات السياسية التي تتبنى العنف ضد المدنيين أو استهداف المرافق العامة لأغراض سياسية هي ظواهر عالمية عرفها العالم منذ بداية العصر الحديث ولم تقتصر على دين أو شعب أو عرق. وإنه بالإمكان الارتكاز إلى التراث القائم في جميع الأديان عند الدعوة إلى القيم النبيلة والتسامح والتعاون والحوار البناء لصالح المجتمع البشري. ولذلك، فمن غير المعقول تحميل المجتمعات والشعوب والجاليات المسلمة أوزار بعض الضالين من المنتسبين إليها. إن التذرع بوجود علاقة بين الدين والإرهاب والتقاعس عن معالجة أسبابه الحقيقية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية وغيرها وعدم تحديد مفهوم محدد للإرهاب لفصله عن بقية الظواهر والقضايا الخلافية ولعزله داخل المجتمعات سوف يهيئ بيئة خصبة لإنتاجه واستمراره في تهديد أمن واستقرار الدول والشعوب.
الحضور الكرام،
إن لديكم جدول أعمال على جانب من الثراء والشمول، ينم عن الحرص على مواجهة تحديات الحاضر واستشراف المستقبل.
وختاماً آمل أن تكلل أعمال هذا المنتدى بالنجاح، وأن تكون مناقشاتكم ورؤيتكم ومداخلاتكم القيمة عاملاً مهماً ورافداً مساعداً في سبيل تقوية الروابط القائمة بين العالم الإسلامي وأمريكا خدمةً لمصالحنا المشتركة وقضايانا الأساسية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته