بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب المعالي والسعادة ،،
سعادة الممثل السامي للاتحاد الأوربي للشؤون الأمنية والسياسة
معالي الأمين العام للأمم المتحدة،،
أصحاب السعادة شركاؤنا في استضافة المؤتمر،
السيدات والسادة،،
بداية، يسرني أن أنقل تحيات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، ونؤكد بأن مشاركة دولة قطر في استضافة هذا المؤتمر تأتي من الحرص الدائم لدولة قطر، وكعهدها كشريك فاعل، في الجهود الدولية المبذولة للوقف الفوري لأعمال العنف، وإرساء الأسس لتسوية دائمة للأزمة السورية.
بينما يعقد هذا الاجتماع، هناك من يعاني من أزير المدافع، وضرب الطائرات، فيهربون من الموت إلى جحيم المعاناة في المخيمات، أطفالٌ اعتادوا على سماع دوي القذائف، وبكاء الأمهات، وأنين الجرحى..... كل هؤلاء أسرٌ شتت الطغاةُ أفرادَها، وفرق الظالمون شملَها.
ويأتي هذا الاجتماع لمواجهة أكبر كارثة إنسانية عرفتها البشرية في تاريخها المعاصر، حيث تزداد الانتهاكات يوما بعد يوم كان آخرها الانتهاك الصارخ للقانون الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 2000/ 118 حيث استخدم النظام السوري بالأمس الأسلحة الكيماوية في خان شيخون والتي راح ضحيتها العشرات من المدنيين أغلبهم من الأطفال فيما يعد جريمة حرب جديدة تستوجب تدخل المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته. بينما تستمر السياسية الممنهجة فلا شيء تغير في سياسة الأسد في ترويع الآمنين وتشريد الساكنين، وتجويع المحاصرين، ونشر المذهبية والطائفية وتفشي الإرهاب والتطرف وهذا يؤكد لنا بأنه لا حل في سوريا من دون رحيل الأسد.
إن الأزمة السورية خلفت مئات آلاف الضحايا الأبرياء، وشُردت ملايين اللاجئين والنازحين من ديارهم، ليجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها بلا مأوى يقيهِم من برد الشتاء ولهيب الصيف. فأصبحوا يعانون من الانتهاك الصارخ لحقوقهم الإنسانية، في صورٍ يحتاج المرء إلى تبلد مشاعر ومواهب أخرى من نوع خاص لتجاهل مصدر هذه الكارثة الإنسانية.
إن هذه الحقائق المروعة والمتردية تضعنا كمجتمع دولي أمام مسؤولية تاريخية تحتم علينا العمل بكل عزم وتصميم لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية التي باتت تهدد في تبعاتها الأمن والسلم الدوليين.
ولا يفوتني هنا الإشادة بالجهود المبذولة والمقدرة من قبل جميع الدول المستضيفة للاجئين السوريين.
أصحاب السعادة،،،
السيدات والسادة،،،
إن السكوت عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب في سوريا يرسل رسائل مشجعة إلى مرتكبي هذه الجرائم للاستمرار في ارتكاب المزيد منها، و رسائل تبعث على اليأس لدى الضحايا وذويهم، ومن يتعاطف معهم. وللأسف، فإن غياب المساءلة لمرتكبي تلك الجرائم عزز من ازدياد واستمرار وقوع الفظائع البشعة وتفاقم مأساة الشعب السوري الشقيق.
ستُ سنواتٍ عجاف، عجز فيها المجتمع الدولي عن تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا. لذلك، أضحت المحاسبة أمراً ضرورياً لوضع حد للعنف المتواصل الذي غذى من انتشار الأسباب الجذرية للتطرف العنيف والإرهاب.
وانطلاقاً من المسؤوليات القانونية والأخلاقية والإنسانية، دعمت دولة قطر كافة الجهود الدولية لتحقيق المساءلة عن جميع الجرائم والانتهاكات و التي تُوّجت باعتماد قرار الجمعية العامة رقم 71/248 وإنشاء الآلية الدولية المستقلة للمساعدة في التحقيق ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سوريا منذ عام 2011.
ونؤكد هنا ضرورة تفعيل هذه الآلية بشكل عاجل للتحرك نحو إجراءات جنائية عادلة وفقا للقانون الدولي.
و تعزيزا للجهود الدولية لإنفاذ العدالة، قدمت دولة قطر دعماً مالياً للآلية الدولية المستقلة بمبلغ 500 ألف دولار أمريكي، واستجابة لخطة الأمين العام نحو تفعيل الآلية، يسرني أن أعلن عن تعهد إضافي من دولة قطر بمبلغ 500 ألف دولار أمريكي. هناك ضرورة لدعم حقيق لسوريا فالمسار الحالي للمؤتمرات والاجتماعات الدولية لا يفضي للأسف إلى الحل المنشود فدعم سوريا لا يكون فقط بالمال وإذا لم نوقف المجازر اليومية سنبقى ندفع الثمن إنسانيا واقتصاديا وأمنيا لعقود قادمة.
ومن هنا، أصبح واضحاً بأن أي انتقال سياسي أو حل سياسي لن يؤدي إلى نتيجة ناجعة ومستدامة بدون محاسبة المتورطين في ارتكاب الانتهاكات والجرائم بحق الشعب السوري.
الحضور الكرام،،،
التزاماً بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا بنصرة المظلومين، والوقوف مع أشقائنا السوريين، فإن دولة قطر قيادةَ وحكومةَ وشعباً لم تدخر جهداً في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري الشقيق. فمنذ بداية الأزمة، واصلت دولة قطر تقديم الدعم للنازحين واللاجئين سواء من خلال الأمم المتحدة أو بشكل منفرد أو عبر القنوات الثنائية مع الدول المُستضيفة وعلى رأسهم الأردن ولبنان وتركيا الذين يستحقون منا كل الدعم والمساندة.
و حين أدركنا أن دخول هذه المساعدات ما هو إلا فترةَ استراحةٍ قصيرة، وسط معاناة مستمرة، تدمر الشعب السوري ببطيء، وتشعره بالاحتياج دائماً، ارتأت دولة قطر أن هؤلاء اللاجئين يستحقون أن يحظوا بأكثر من مجرد خبزٍ يسدون به جوعهم، أو قطعة قماشٍ يكتسون بها، بل هم بحاجةٍ إلى ما يبنون به أنفسهم، ويصونون به كرامتهم، فلم نجد أفضلَ من التعليم للأخذ بيدهم، فهو مفتاحٌ لأبواب التنمية والاستقرار.
ولجعل التعليم متاحاً لجميع الأطفال اللاجئين، فكان لدولة قطر مبادرات من بينها ما ركز في التعليم والتطوير المهني بالشراكة مع العديد من المنظمات الإنسانية والإقليمية. فجاءت المبادرة القطرية لتعليم وتدريب اللاجئين السوريين في شهر سبتمبر الماضي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح 400 ألف مستفيد من الشعب السوري لمدة خمس سنوات، وذلك في إطار وفاء دولة قطر بتعهدها بتقديم مبلغ مئةِ مليون دولار أمريكي ، في مؤتمر لندن العام الماضي. كذلك مبادرة " علِّم طفلاً"، التي بلغ عدد الأطفال السوريين المُستَفيدين منها في مخيمات اللجوء حوالي 985 ألف طفل.
وأسهمت هذه المبادرات في تمكين الأطفال وحمايتهم من التطرُّف والاستغلال وسوء المعاملة. فحين يسود الاضطراب، وتضيع الفرص، يتغلغل التطرف، ويتبدد الأمان.
كذلك تستضيف دولة قطر أكثر من (60) ألف من الأشقاء السوريين، فضلاً عن لمِّ شمل سبعة آلاف شخص إلى أسرهم المقيمة في قطر.
كما أن الجمعيات الخيرية القطرية لم تألُ جهداً في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري والتي وصل إجمالي الدعم المقدم من خلالها إلى الشعب السوري مبلغ 452 مليون دولار أمريكي منذ بداية الأزمة السورية ، وتتضمن خططها في العامين 2017 – 2018 تقديم ما يزيد عن 200 مليون دولار أمريكي.
وقد بلغ مجمل المساعدات الإنسانية لدولة قطر ما يقارب(1.6) مليار دولار من أجل تخفيف معاناة الشعب السوري داخل وخارج سوريا، وذلك عبر المنظمات الإنسانية الدولية ومؤتمرات المانحين.
وتوازياً مع تلبية احتياجات اللاجئين والنازحين السوريين، فإننا نشدد على ضرورة التحضير من الآن لما بعد التوصل إلى اتفاق سياسي ووقف العنف من أجل إعادة الإعمار. فما تسبب فيه العنف من دمار غير مسبوق في سوريا سيتطلب جهوداً مكثفة وموارد كثيرة لإعادة الإعمار، وتكتسي هذه المسألة بأهمية كبيرة لتهيئة الظروف المواتية لاستدامة الأمن والاستقرار للشعب السوري وبناء الدولة ومؤسساتها.
وبما أن هذا المؤتمر أعطى حيزاً هاماً لمناقشة مسألة إعادة الإعمار، نؤكد بأن دولة قطر انطلاقاً من علاقاتها الأخوية مع الشعب السوري وواجبها الإنساني والأخلاقي، لن تتأخر في بذل الجهود في هذا الشأن.
ومن هنا، يسرني أن أعلن عن مساهمة دولة قطر بمبلغ (100) مليون دولار أمريكي لدعم الوضع الانساني للشعب السوري الشقيق لهذا العام.
ومن منطلق التزاماتنا الدولية، نؤكد مجدداً أهمية الاستجابة الجماعية والشاملة وتعزيز المساهمات المقدمة والوفاء بتعهداتنا للتحفيف من معاناة الشعب السوري الشقيق والمنطقة.
أصحاب المعالي والسعادة،،،
إن النجاح في مواجهة التداعيات الإنسانية الكارثية والخطيرة للأزمة السورية لا يتأتًى إلا بإيجاد الحل السياسي الذي ينهي هذه الأزمة بشكل جذري، وهذه هي مسؤولية المجتمع الدولي، لاسيما مجلس الأمن والأطراف الفاعلة .
وختاماً، تؤكد دولة قطر دعمها الثابت للجهود الدولية الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية على أساس بيان جنيف الأول لعام 2012م وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرار 2254، وبما يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري في الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة أراضيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،