وجهة نظر من قطر مع الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني
ألبيرتو نيغري: السيدات والسادة، صباح الخير. شكرا لكم على حضوركم. اليوم نحن فخورين بأن يكون معنا السيد محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الخارجية في قطر. قطر دولة صغيرة ولكنها ذات تأثير كبير. إذا كانت لديكم ورقة الأمم المتحدة فبإمكانكم أن تروا أن قطر أكثر الدول العربية تقدما في مجا التنمية البشرية. قطر رولة غنية جدا والجميع يعلم أن ليدها احتياطات ضخمة من الغاز وهي معروفة لشبكتها الإعلامية "الجزيرة". أنتم على علم بالأحداث التي وقعت في الأشهر الأخيرة على سبيل المثال: أغلقت مكاتب الجزيرة في العديد من الدول العربية وقد عانى العديد من الصحفيين بهذا لأننا مع حرية الصحافة كل بلد. واليوم معي ديفيد هيرست، الصحفي المتميز في "ميدل إيست آي" وهو خبير في الشرق الأوسط ومحلل رفيع المستوى.
لنبدأ مع وزير الخارجية، نود أن نسمع وجهة نظرك فيما يتعلق بحالة قطر ووجهة نظر قطر بعد أحداث يونيو 2017 عندما قطعت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات ومصر وبعض الدول العربية الأخرى العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة. ماذا حدث وكيف الوضع في الدوحة الآن؟
سعادة وزير الخارجية: أولا أود أن أشكر ألبيرتو وديفيد لاستضافتي، وأنا سعيد جدا بالمشاركة في الدورة الثالثة من هذا المؤتمر الذي أصبح منصة بارزة في منطقة البحر الأيض المتوسط.
إن الأمل مفقود في منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط بسبب الترابط بينهما، ومن أجل التوصل الى حلول واقعية للمشاكل، علينا أولاً تشخيص الوضع الحالي لإيجاد حلول واقعية لمشاكل المنطقة وتزويد شعوبنا بالأمل الذي يبحثون عنه.
وجود اضطراب في منطقتنا إقليمي تدفعه لعبة النفوذ والسلطة أدى إلى إشكاليات داخلية وخارجية، وأن الوضع الحالي في المنطقة هو صراع للنفوذ، ولعبة النفوذ أودت بنا إلى حالة استقطاب لا تحدث في دولنا فقط بل خلفت حروباً بالوكالة وخلقت تبريرات للتدخل في شؤون الدول الأخرى الذي سبب الكثير من الدمار ووقف أجندة الوحدة الوطنية مثل ما حدث في ليبيا واليمن والعراق. رأينا هذا يحدث على المستوى الإقليمي والآن يحدث داخل الدولة نفسها، وان حالة الاستقطاب داخل الدول سببها قادتها الذين أصبحوا عائقاً امام أي تغيير ويستخدمون الاستقرار كمبرر. ومقاومة التغيير يعني ان الشعوب سيبدؤون بفقدان الأمل لأن المشاكل لا تجد طريقها إلى الحل، الامر الذي سيخلق أراض خصبة للإرهاب والتشدد وجعل الأزمات تنتقل إلى مناطق أخرى سواء في اوروبا أو دول أخرى.
إذا نظرنا إلى الصورة من هذه الزاوية سنرى ثلاثة أسباب رئيسية وراء لعبة النفود في المنطقة تتمثل في : غياب الحكمة، ووجود قيادة مغامرة وطائشة في المنطقة، والفراغ الناتج عن غياب نظام إقليمي ودولي مع آليات الإنفاذ اللازمة لفض الخصام التي تعطي الفرصة للدول الصغيرة لتقديم مظالمها ضد الدول الكبيرة لمنصة تحكيم تتخذ إجراءات ضد ما أتخذ ضد الدول الصغيرة، وهذا ما حدث مع قطر ولبنان والصومال، وأزمات أكبر مثل اليمن وليبيا والعراق.
نرى أن هناك فراغا في الحكمة وآليات التنفيذ، ونحن لا نعيش في الماضي نحن نعيش في القرن الواحد والعشرين حيث العولمة واستخدام التكنلوجيا الجديدة ووسائل النقل وهذا العصر الذي نعيش فيه قرب العالم بعضه من بعض وأياً كان فإن ما يجري في الشرق الاوسط سوف يكون له تداعياته على اوروبا وعلى غيرها من المناطق، ونحن نرى بأن حركة الارهاب العابر للحدود او حتى للمهاجرين تسببت غي معاناة إيطاليا ودول اخرى من البحر الابيض المتوسط وتعاني منه مناطق اخرى الان.
وهنالك الكثير من الاجراءات التكتيكية التي تم اتخاذها من اجل التعامل مع هذه النتائج ومعالجتها، ولكن ما تعاملنا معه هو الناتج ولم ننظر الى الاسباب الجذرية من هذه الظواهر التي تنموا في هذه المنطقة. نحن نؤمن باننا لا يمكننا فقط أن نتعامل مع الاعراض وننسى الاسباب الفعلية، وعلينا ان نقوم بفحصها ومعرفة ما هي الاسباب التي افضت بنا الى هذا الوضع. واذا ما نظرنا اليها بدقة سوف نرى بان هنالك غياباً للأمل بالنسبة للناس في إعطاء حل عادل لمشاكلهم، وهنالك ازمات ومآسي انسانية، وغياب الامل في ايجاد حل، وليس اي حل، وانما حل عادل يلبي ويتطرق الى مباعث القلق الحقيقي لدى الشعوب.
بعد ان نقوم بإيجاد الحل العادل ونعطي الشعوب ظروف ايجابية تمكنهم من ممارسة حقوقهم من دون اي مقاومة من قادتهم المستبدين، او حتى من دول اخرى، فعندها يتحقق الأمن وبالتأكيد يليه تنمية اقتصادية وهذا مهم جدا لتمكين هذه الدول حتى لا تكون معوزة، وأن يحتاجوا للسفر بطرق غير قانونية الى اوروبا لتحسين حياتهم.
ربما طريقة تقديمي لهذا الامر قد تبدو بصورة قاتمة ولكن الوضع ليس بالسوء الذي وصفته وانما هو أسوأ من هذا واكثر ظلما، لان ما يجري هنالك ينظر اليه من مسافة من دون اخذ خطوات جدية لوضع حد لحالة الاستقطاب، وعلينا بوقف المتلاعبين بالقوة في المنطقة من الاستمرار في مغامراتهم. فنحن تحتاج إلى اتخاذ خطوات جدية في الوقت الراهن وعلينا بالانخراط في حوار أمني إقليمي والاتفاق على مبدأ تلتزم به جميع الدول سواء كانت صغيرة أم كبيرة. يجب أن تكون هناك مبادئ تجمعنا معا ومن هذا المبادئ يمكننا رفع مستوى الاتفاقيات في المجال السياسي والأمني والتعاون الاقتصادي الذي لا يتعطل بسبب صراعات السياسية.
هذه هي وجهة نظر دولة قطر، وهذا الرأي ليس بسبب الأزمة والتدابير الأحادية غير القانونية التي اتخذتها الدول المحاصرة، ولكن لأننا نرى أن هذا الأمر هو مصدر قلق للمنطقة بأسرها، ونحن قلقون من أن ندخل في دورة جديدة من الاضطرابات ونحن بحاجة إلى تجنبها ووقفها من الآن.
ديفيد هيرست: لقد تحدثت عن لعبة النفوذ، ولكن هناك أيضا رؤيتان مختلفتان للمنطقة. إنها أكثر من مجرد لعبة نفوذ، أليس كذلك؟ إنها للهيمنة على المنطقة في أعقاب الانسحاب السياسي الأمريكي ولكن ليس الانسحاب العسكري. تنص إحدى الرؤيا أن العرب ليسوا مستعدين للديموقراطية أو لحرية التعبير أو لقناة الجزيرة ويجب أن تتم إدارتها، وهناك رؤيا بديلة تقبل نتائج الانتخابات الحرة بغض النظر عن النتائج، فهناك انقسام اساسي يحدث. هل ترغب في التعليق على ما تعتقد أنه الهدف النهائي للدول المحاصرة في من حيث رؤى المنطقة؟
سعادة وزير الخارجية: لطالما كانت دولة قطر قوة دافعة نحو التقدم في المنطقة، فلدينا اختلافات في الرأي مع دول الخليج الأخرى ولكن هذه الاختلافات لم تكن أبدا على مستوى من التهديد الأمني. وكان هذا دائما المبدأ الموجه في علاقتنا مع دول مجلس التعاون الخليجي. ولم نكن نعتقد أو نتصور أن هذه الخلافات ستؤدي إلى مثل هذه التدابير العدوانية ضد دولة قطر من خلال شن حملة لا أساس لها ومن دون قواعد صلبة. أخترنا أن نضع الاختلاف جانباً وأن ندعو للحوار، لأنه إذا كان هذا شاغلا أمنيا لهم فإنه سيكون أيضا مصدر قلق لنا، فنحن جميعا ملتزمون جماعيا بمعالجة هذه الشواغل، ولقد تم التواصل ولسوء الحظ كان هناك إنكار من قبل الدول المحاصرة، لم يرغبوا في الدخول في أي محادثات وفقط أرادو أو نتوقف عن فعل أشياء معينة في حين أن كل تلك "الأشياء" كانت مجرد افتراءات وهذه الدول على علم بها.
نحن بحاجة لحس الحكمة بأن أمننا الجماعي مهدد من جراء هذه الإجراءات ومن تفكك مجلس التعاون الخليجي، وأن دولة قطر تصرفت بطريقة ناضجة جدا وطلبت من الدول المحاصرة الجلوس والمناقشة بطريقة حضارية. نحن نرى أن هذا هو الهدف النهائي ولن تؤدي الهدف النهائي لأي بلد إلى خضوع دولة لأخرى، وهذا لن يحدث لقطر أو أي من دول الحصار أو دولة أخرى. نحن بحاجة إلى التوصل إلى مبدأ توجيهي يوافق عليه الجميع ومن ثم ننتقل إلى المستوى التالي من الشراكة. ولا يمكننا العودة إلى التنمر على بلد آخر بمجرد أن ينتج اختلاف لمجرد أنها بلد أصغر، هذا أمر لا يقبله قطر ولا يقبله المجتمع الدولي.
ألبيرتو نيغري: كان من المثير خلال هذه الأزمة أن نرى دولتين تدعمان قطر وهما تركيا وإيران. كلتا الدولتين ليستا دولتين عربيتين وذلك تغيير كبير. ما الذي يحدث في المنطقة الآن.
سعادة وزير الخارجية: هناك فروقات بين العلاقات التي نملكها في المنطقة سواء أن كانت مع الشركاء العرب أو الخليجيين أو غيرهم. لدينا علاقة قوية مع تركيا بشكل استراتيجي وفي مجالات مختلفة سواء في الدفاع والاقتصاد والتعليم والثقافة ولقد استمرت هذه العلاقة لسنوات وعقود. لقد قامت العلاقة بيننا لأننا اتفقنا على المبادئ الأمنية التي تحترمها كل من الدولتين، وواصلت النظر وجها لوجه والبناء على هذا التعاون، لذا نرى أن هذه العلاقة تعود بالفائدة على كلا البلدين. نجد تركيا تقف معنا خلال هذه الأزمة وتضمن لنا خطوط الإمداد بالسلع والأدوية والإمدادات الغذائية. هذا هو موضع تقدير كبير من قبل الشعب القطري قبل الحكومة القطرية.
إيران هي دولة مجاورة لقطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، وتجمعنا مع إيران حقل غاز وحدود وبالتالي نحن لا ننظر للأمر كما تنظر إليه أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على انها دولة بعيدة بمئات الآلاف من الاميال.
هناك اختلافات لدينا مع إيران ، لكن هذه الاختلافات لا يجب أن تؤدي إلى المواجهة لحلها، وعلينا معالجتها بالحوار ودعوة الجميع إلى الحوار من اجل التغلب على خلافاتنا والوصول الى حل. واذا أردنا ان نبقى معزولين فإن مستوى التوتر سوف يزيد وبالتالي سوف تنتج او ربما تخلق ازمة بسبب هذا التوتر، وبالتالي نحن نرى ان افضل طريق لتجاوز الاختلافات هو الحوار. والخليج كوحدة واحدة اتفق على هذا وهذا الامر ليس جديدا لقطر، وفي آخر اجتماع لدول مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر ٢٠١٦ كان جزء من القرارات التي اتخذها القادة بأننا سوف نقوم بالتوجه اكثر الى الحوار وطبعا هذا ما أكده حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة وبالتالي نحن في نفس السياق، ولم يتغير شيء فيما يتعلق بسياستنا بعد الحصار.
نحن نتحدث مع إيران ولكن لا تزال هنالك اختلافات سياسية وما زلنا نتحاور معها في محاولة لإيجاد طريق الى الامام ، ونحن نأمل ان دول الخليج الأخرى سوف تكون معنا في هذه المسألة، ليتم التحاور جماعيا مع الايرانيين لمناقشة مباعث القلق.
ومن الناحية الأخرى، لدي دولة محاطة من ثلاث جهات من قبل دول الحصار الذين لا يرغبون بالسماح للطائرات القطرية من التحليق فوق أجوائها أو أن نعبر حدودنا البرية الوحيدة لضمان إمدادات الغذاء والدواء لشعبنا. يبقى الطريق الجوي والبحري الوحيد هو مع ايران وبالتالي كان يجب علينا ان نبقى متصلين مع ايران حتى نوفر احتياجات الشعب، وشعبي هم الأولوية الأولى. و بالتالي نحن نرى بأن هذا الحصار والموقف الحالي يمثل عائقا لجهودنا لضمان أمّن المنطقة، وان لا يتم استخدام عنصر عدم الاستقرار من قبل أطراف إقليمية اخرى.
ديفيد هيرست: يبدو أن هناك دافعا من المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات التجارية والاتصالات مع إسرائيل، قبل التوصل إلى تسوية نهائية. هل هذا أفضل طريقة وهل ستنجح؟
سعادة وزير الخارجية: لدينا عملية متفق عليها وهي مبادرة السلام العربية والتي ينبغي ان تفضي إلى حل الدولتين وحل مشكلة الاستيطان ومبادلة الأراضي وجميع هذه المشاكل من أجل تطبيع العلاقة. تتنفق جميع الدول العربية على عملية السلام هذه وقطر من بينها، ونحن نؤمن بأنه اذا كان هنالك اي محاولة لعملية سلام او تسوية سلمية تؤدي الى حل الدولتين فهذا امر سندعمه ولن نكون عائق أمامه ولكننا بحاجة الى ان نتأكد من جدية أطراف الحوار في المفاوضات من اجل الوصول الى حل الدولتين. ونحن بحاجة الى ان تكون هنالك دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧ وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية ، وبالتالي يجب علينا ان نصل الى هذه النتيجة ونتأكد من ان هنالك رأي موحد حول الخطوات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف، ونحن نأمل ان هنالك امل في هذا الوقت من الزمن لتحقيق السلام.
ألبيرتو نيغري: السؤال الأخير، لماذا إيطاليا مهمة لقطر ولماذا قطر مهمة لإيطاليا؟
سعادة وزير الخارجية: كما وصفت علاقتنا مع تركيا، لدى قطر وإيطاليا علاقة سياسية وأمنية قوية حيث نتفق وجها لوجه ونناقش القضايا الإقليمية ونتفق على مبادئ الأمن والسلامة وهذا يقودنا إلى مستوى آخر من التعاون الاقتصادي المتزايد، ولقد زادت بوتيرة عالية جدا، وفي العام الماضي زادت بنسبة 21% وهناك 59 شركة إيطالية تعمل في قطر وتستثمر فيها ولدينا الكثير من الاستثمارات القطرية في إيطاليا ونتائجها جيدة. ان قطر تضم جهودها الى ايطاليا على مستوى الشراكات متعددة الأطراف سواء كان ذلك في مجال التعاون الدولي أو الاستثمارات، ووقعنا اتفاقا بين قطر وإيطاليا على مشروع طاقة في عمان، ونبحث عن المزيد من المشاريع في الدو الأخرى، ولدينا أيضا لدينا جدول تنموي تم تنسيقه سوياً حيث نقوم بتنفيذ مشروع مشترك مع إيطاليا في مالي وبالتالي هنالك علاقات قوية تقوم على مبدأ الأمن والاحترام المتبادل.
ألبيرتو نيغري: شكرا جزيلا لوزير الخارجية القطري، ولكن لدي ملاحظة أخيرة. بعد خمس سنوات ستكون هناك بطولة عالمية لكرة القدم في قطر، وآمل أن نتمكن من رؤية بعضنا البعض ومشاهدة مباراة معا في الدوحة. شكرا جزيلا.