٢٣ مايو ٢٠١٦كلمة سعادة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في القمة العالمية للعمل الإنساني بسم الله الرحمن الرحيمفخامة الرئيس/ رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية الشقيقة،أصحاب الجلالة والسمو،أصحاب الفخامة والمعالي رؤساء الدول والحكومات ،أصحاب السعادة الوزراء،سعادة السيد/ بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة،السيدات والسادة،يُشرفني أن أتوجه للجمهورية التركية الشقيقة بخالص الشكر لاستضافتها هذه القمة التاريخية الأولى من نوعها، هنا في مدينة اسطنبول، حيث يلتقي الشرق بالغرب. وأشيد بالأمين العام السيد/ بان كي مون، على روح القيادة التي تحلى بها أثناء تنظيم القمة.السيد الرئيس،بينما تُعقد هذه القمة، هناك طفل يجوب الشوارع بحثاً عن قوت يومه، وآخر ينام خلف الجدران هرباً من القصف، هؤلاء يخيم عليهم شبح الموت بردا وجوعاً. إن وجود أكثر من ستين مليون شخص بين لاجئ ونازح اضطروا للفرار لينجوا بحياتهم، يحتم علينا توظيف جميع قدراتنا، لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، وايجاد الحلول الكفيلة لإغاثتهم، ووضع حد لمعاناتهم، إذ تشكل انتهاكاً صارخاً لقيمنا الأخلاقية والإنسانية والقانونية المشتركة. ألا تكفي تلك الصور المؤلمة التي نشاهدها يومياً لتستفز مشاعرنا؟ فقد تجاوز عدد النازحين في سوريا وحدها 12 مليون شخص وغادر البلاد أكثر من أربعة ملايين آخرين، السيد الرئيس، على الرغم من أن الإغاثة الإنسانية هي السبيل الوحيد والعاجل لإنقاذ حياة الملايين من اللاجئين والنازحين وهي المفتاح لضمان بقائهم أحياء، فإنه لا يمكن أن يقتصر العمل على الإغاثة الإنسانية، إذ أن هناك حاجة ماسة إلى عمل سياسي مشترك ودؤوب وعلى كافة المستويات، ينخرط فيه قادة العالم بشكل جاد وملتزم، من أجل إيجاد حلول للأزمات الراهنةإن ما نقوله ينطبق بشكل تام على المأساة السورية، لأن المساعدة الإنسانية وحدها مهما عَظُمَتْ لن تعالج الأسباب الكامنة وراء النزاع الجاري والمعاناة الهائلة الذي خلّفها .إن ما يُثير الضمير الإنساني، هو أن العالم يشهد كل يوم سوريا وهي تغرق في مستنقع أكثر دموية ، حيث تشن قوات النظام السوري الهجمات الجوية بكافة الأسلحة المحظورة على المدنيين والمناطق السكنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس والأماكن الدينية، لترويع الآمنين وتشريد الساكنين.لقد نبهنا مع الأشقاء في المنطقة منذ اندلاع الأزمة السورية ، بأن الحل السياسي هو الكفيل بحل هذه الأزمة. وأكدنا ضرورة اتخاذ اجراءات عاجلة وملموسة من المجتمع الدولي لإنهائها قبل أن تمتد أذرعها إلى حدود سوريا والمنطقة. وما الضرر الذي لحق بملايين السوريين إلا شاهداً على العواقب الكارثية الناجمة عن التقصير في اتخاذ الإجراءات المطلوبة لإنهاء الأزمة. السيد الرئيس، إن التزامنا بمساعدة أشقائنا السوريين ليس معروفاً يسدى، ولا جميلاً يحفظ، وإنما واجب.. واجبٌ جعلنا نواصل تقديم كافة أشكال الدعم الإنساني لهم، بشكل مباشر ومن خلال المنظمات الدولية والإقليمية، حيث بلغت المساهمة الإنسانية لدولة قطر أكثر من 1.6 مليار دولار، كما قدمت دولة قطر في مؤتمر "دعم سوريا والمنطقة: لندن2016" مبلغ مائة مليون دولار، خصص منها مبلغ عشر ملايين ريال قطري لبرامج المساعدة والإغاثة الإنسانية الطارئة للسكان المتضررين في حلب. وليس الوضع في فلسطين أفضل حالاً من سوريا، فما يعاني منه الشرق الأوسط من صراعات، يجعل من حل القضية الفلسطينية أمراً أكثر إلحاحاً، وعلى أساس حل الدولتين، حيث يتمتع الشعب الفلسطيني بحقوقه غير القابلة للتصرف، بما فيها إقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وذلك لا يتأتى إلا بتخلي إسرائيل عن تعنتها وإنهاء احتلالها لجميع الأراضي العربية، ووقف الاستيطان وتفكيك المستوطنات، واحترام الوضع القانوني للقدس الشريف.وهنا نؤكد أنَّ الاستمرار في تشييد المستوطنات، واستغلال الموارد الطبيعية الفلسطينية، سيكون له آثاراً وخيمة في استفحال الأزمة الإنسانية واستحالة تحقيق أي تنمية حيث انعدام الأمن الغذائي، واستمرار مصادرة الأراضي الفلسطينية. وبينما يتفق المجتمع الدولي على حل شامل وعادل لهذه القضية، والاعتراف الدولي الواسع بدولة فلسطين، و مواصلة التزام الدول العربية بمبادرة السلام العربية والمبادرات المطروحة في الوقت الراهن، فإن الوقت الآن ملائم أكثر من أي وقت مضى للدفع نحو حل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام في المنطقة وفق قرارات الشرعية الدولية.وذلك لا يتحقق إلا بتقديم الدعم الدولي لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وإنهاء الحصار الظالم على قطاع غزة، وتيسير إعادة إعماره وتوفير فرص الحياة الكريمة لجميع سكانه.وإدراكا من دولة قطر بأهمية معالجة الأزمة الإنسانية وأثرها الإيجابي المباشر على عملية السلام، فقد تعهدت دولة قطر خلال مؤتمر إعادة إعمار غزة عام 2014 بتقديم مليار دولار. وقد باشرنا بتنفيذ تعهدنا علي أرض الواقع من خلال تنفيذ العديد من المشاريع التنموية الملحة في القطاع.وانسجاماً مع السياسة الخارجية دولة قطر في تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين عبر مبادرات إنسانية وإنمائية وسياسية، تتعهد دولتي بالالتزام بالمسؤوليات الخمس التي ارتكزت عليها رؤية الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون في تقريره " إنسانية واحدة: مسؤولية مشتركة" والتي ترسم لنا جميعاً خارطة طريق تضع نصب عينيها الضحايا والمتضررين عند تنسيق جهود العمل الإنساني. السيد الرئيس،إن تزايد النزاعات وتنوعها يتطلب اتخاذ إجراءات مبكرة لمنع نشوبها. وكما هو معلوم، فإن منع نشوب النزاعات هو إجراء متعدد الأبعاد، يرمي إلى لمعالجة الأخطاء الهيكلية التي تؤدي إلى الانزلاق في براثن الصراع والتطرف العنيف. ناهيكم عن أن الفقر والبطالة والتمييز وانتهاك حقوق الإنسان والفساد وفرت أرضاً خصبة لزرع الأفكار المتطرفة، فماذا عسى الشباب أن يفعل حين يخلو المجتمع من العدل والمساواة والحكم الرشيد؟ إن مساعدة الحكومات على بناء حلول مستقلة ومستدامة تحظى بثقة مواطنيها، سيسهم في منع النزاعات وتحقيق الاستقرار. كما أن تعزيز قدرة المنظمات الإقليمية لمعالجة الأزمات هو أمر في غاية الأهمية لتحقيق هذا الهدف. السيد الرئيس،إن استمرار النزاعات يستوجب مواصلة تقديم المساعدة الإنسانية لمن هم بأشد الحاجة إليها إلا أن الجهود يجب أن تنصب على دعم القدرة على التعافي، على الأمد الطويل. ويسعدني في هذا الخصوص أن أنوه بأن برامج المساعدة الإنسانية والتنموية لدولة قطر مترابطة وترمي إلى لتحقيق هذه الغاية. فعلى سبيل المثال، ساهمت دولة قطر مؤخراً بمبلغ 550 مليون دولار في دارفور، ووُجهت البرنامجٍ والمشاريع للإنعاش المبكر ووفق خطة التنمية لدارفور. كما طُبق هذا النهج من العمل الإغاثي والتنموي في الصومال وارتيريا وجيبوتي أيضاً، وأثبت نجاحه. السيد الرئيس ،يتفق الجميع بأن التركيز على التعليم له أهمية حيوية، وذلك من أجل حماية الطفولة، والحيلولة دون ضياع الأجيال. "وإذا أردنا أن نحقق السلام الحقيقي في العالم، فعلينا أن نبدأ بتعليم الأطفال". إن معظم اللاجئين هم دون سن الثامنة عشر، وبالتالي فإن إهمال التعليم يعني أن أجيالاً بأكملها تكبر دون تعليم مناسب، وتصبح أكثر عرضة لخطر الإتجار بالبشر أو الوقوع فريسة بيد الإرهاب.قادت دولة قطر عام 2010 جهود تقديم قرار الجمعية العامة بعنوان "الحق في التعليم في حالة الطوارئ"، وكان القرار الأول من نوعه، إذ أدان استهداف أطفال المدارس والمعلمين والمعاهد التعليمية أثناء النزاعات المسلحة. وقد أسهم القرار في حماية الحق الأساسي في التعليم في حالات الطوارئ . وستتوج هذه الجهود بعقد اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة في 3 يونيو في مقر الأمم المتحدة بنيويورك بادرت بطلب عقده دولة قطر مع دول أخرى.كما كانت دولة قطر من أولى الدول التي أيدت "إعلان المدارس الآمنة"، وعملت في إطار شراكة مع التحالف الدولي لحماية التعليم من الهجمات والشبكة المشتركة بين الوكالات للتعليم في حالات الطوارئ والشراكة العالمية من أجل التعليم. وفي عام 2012 ، أطلقت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر مبادرة "التعليم فوق الجميع" وهي مبادرة عالمية تؤيد اعتماد نهجٍ شاملٍ ومبتكرٍ للتعليم يهدف إلى تحقيق التنمية البشرية من خلال تحسين فرص الوصول للشرائح الضعيفة والمهمشة للتعليم . وختاماً أؤكد دعم دولة قطر للقرارات التي ستصدر عن هذه القمة، وأنها لن تتوانى في حماية المحتاجين وتقديم المساعدة لهم، فاللحظة التاريخية قد حانت نحو التعهد بإرادة جادة، يحدوها أملٌ كبير في صياغة مستقبل إنساني أفضل للبشرية. وشكراً لكم.