٢٤ فبراير ٢٠١٦كلمة سعادة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أمام الدورة الـ31 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف بسم الله الرحمن الرحيم السيد / رئيس مجلس حقوق الإنسان، السيد / المفوض السامي لحقوق الإنسان، السادة / رؤساء الوفود، الحضور الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يطيب لي في البداية أن أحييكم جميعاً وانتهز هذه الفرصة لتهنئة سعادة السفير شوي كيونغ- ليم على توليه رئاسة المجلس، متمنياً له التوفيق والنجاح في إدارة أعماله، كما أُثـمن الجهد الذي بذله سعادة السفير يواكيم روكر، وأعضاء مكتبه خلال الدورة السابقة. السيد الرئيس،، تنعقد هذه الدورة ولا تزال تحديات حقوق الإنسان تتعاظم في جميع بقاع العالم، وذلك على الرغم من مرور ما يقرب من عقد من الزمن على إنشاء هذا المجلس، ومن هنا يتعين علينا تجديد العزم وبلورة مبادرات جديدة بروح الإعلان الدولي لحقوق الإنسان تُمكن هذا المجلس من تحقيق الغايات النبيلة التي أنشئ من أجلها وترتقي به الى مستوى الطموح. على الرغم من الجهود التي يبذلها المجلس إلا أن حالة حقوق الانسان اليوم ليست بأفضل مما كانت عليه وقت إنشائه، فما زال انتشار الظلم المتمثل في الاحتلال والاستبداد والتمييز العنصري يُمثل بعناصره هذه مصدر انتهاكات حقوق الإنسان بصورها وأنماطها المختلفة. لقد ذكرت أمام هذا المجلس الموقر في مارس الماضي أن التصدي لانتهاكات حقوق الانسان، وبواسطة جميع الأطراف والآليات المعنية، إن لم يكن فاعلاً وحاسماً فسيشهد العالم مزيداً من العنف والتطرف والنزاعات، وها نحن اليوم نكرر بأن هذا المجلس وحده لن يكون بمقدوره وقف الانتهاكات وتحسين حالة حقوق الانسان في ظل ضعف الآليات الأخرى والتي كان بإمكانها أن تتحرك بصورة أكثر جدية. وفي هذا الصدد فإن نظام الأمن الجماعي الذي أرساه ميثاق الأمم المتحدة قد فشل في تحقيق السلم والأمن الدوليين والحفاظ على حقوق الإنسان في كثير من مناطق العالم بسبب ازدواجية المعايير في تعامل مجلس الأمن مع قضايا الشعوب. السيد الرئيس،، إن استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية يمثل وصمة عار على جبين الانسانية. حيث تستمر إسرائيل في سياساتها غير القانونية، وفي الاعتقالات التعسفية، وتستمر في حصار قطاع غزة منذ عام 2007م على نحو يمنع سكانها من ممارسة الحياة اللائقة بالإنسان، فضلاً عن التوسع في بناء المستوطنات والاعتداءات المتكررة والمنهجية على المسجد الأقصى وهدم المدارس والمعاملة غير اللائقة للأسرى والمحتجزين، وفوق هذه الجرائم كلها الجريمة الكبرى المتمثلة في سرقة وطن ومصادرة أرضه وهويته، وممارسة ذلك دون توقف بواسطة الاستيطان وسياسة التهويد. إن هذه السياسات والممارسات الاسرائيلية غير المشروعة تشكل تحديا سافراً لإرادة المجموعة الدولية وتمثل انتهاكا للقانون الدولي الإنساني وبخاصة معاهدة جنيف الرابعة. وأشير هنا إلى أن دولة قطر تبذل جهوداً متصلة من أجل تخفيف وطأة الحياة الخانقة التي يعاني منها سكان قطاع غزه، وذلك من خلال إعادة إعمار القطاع. وندعو المجتمع الدولي وبخاصة مجلس الأمن إلى الاضطلاع بمسؤولياته القانونية والأخلاقية باتخاذ التدابير اللازمة لأنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، واجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها لكافة الأراضي العربية وتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يبقى بالنسبة لنا خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه وذلك وفقاً لمبادرة السلام العربية ومقررات الشرعية الدولية وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود العام 1967م. السيد الرئيس،، يدفع المدنيون في أغلب الأحوال ثمن الحروب والنزاعات المسلحة، ومن المؤسف أن مقتل ما يتجاوز ثلاثمائة ألف من الشعب السوري الشقيق جلهم من النساء والأطفال والشيوخ وتشريد ما يقارب 12 مليون شخص في الداخل والخارج في ظل ظروف قاسية وأوضاع معيشية مأساوية ، على يد نظام تجاوز الخطوط الحمراء كافة عبر استخدامه أصناف الأسلحة ومنها المحرمة دوليا لم يكن كافيًا لتحريك المجتمع الدولي لتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى العدالة الجنائية الدولية، بل وما زال هناك من يسلح هذا النظام، ومن يقف معه معنويا. ان ما يجري في سورية هو عمليات إبادة شعب وما يمكن تسميته بتحطيم مجتمع وتشريده وكذلك تطهير على أساس طائفي عنصري. ولا شك أن إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب يفقد مصداقية المجتمع الدولي في تحقيق العدالة الجنائية ويثير الشكوك حول فاعلية آليات حماية المدنيين والحفاظ على حقوق الإنسان. كما أنه من غير المقبول سياسياً أو أخلاقياً مساومة الشعب السوري على حقوقه المشروعة. فحجم الجرائم المرتكبة بحقه يفرض أن لا تكون ثمة مساومة على وجود النظام الذي ارتكبها، كذلك فإن تركيع شعب تعرض لكل هذا بالتهديد باستخدام سياسية التجويع والحصار المجحف الخانق، ووضعه أمام خيارات مثل القبول بإرهاب نظام الاسد أو إرهاب تنظيم داعش هو ابتزاز للضحية بدلا من محاسبة المجرم. وإزاء هذه المأساة المروعة نؤكد على ضرورة التوصل الى حل سلمي يلبي المطالب المشروعة للشعب السوري وفقاً لمقررات بيان جنيف 1، وإنشاء هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة. السيد الرئيس،،، إن تفاقم ظاهرة الارهاب هي احدى التحديات الخطيرة التي يعاني منها المجتمع الدولي بشكل عام، لتهديدها المباشر للسلم والأمن الدوليين، ولما يُشكله الارهاب من انتهاك لحقوق الإنسان وتقويضٍ لسيادة القانون وتعطيل لمسارات التنمية المستدامة للشعوب. وفي هذا الصدد فإن قناعتنا راسخة بأن استخدام القوة المسلحة تصلح مؤقتا في محاربة المخاطر المباشرة، ولكنها لن تؤدي إلى حل مشكلات الإرهاب ، بل على العكس من ذلك، فقد ثبت تاريخيا أن الحرب وقصف المناطق المأهولة يعمل على تفاقم العنف وامتداده واشتداد أوزاره ، لذا فإن نجاح المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب يظل رهين اعتماد مقاربة شاملة ترتكز على معالجة الأسباب الحقيقية للإرهاب وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وإنهاء سياسة التهميش والأقصاء الطائفي ومقاومة الغلو والفكر المتطرف والكراهية ، وانهاء الاحتلال وإيجاد الحلول السياسة العادلة لقضايا الشعوب، ومنح الشعوب، ولا سيما الشباب، الأمل بالمستقبل، وتمكينهم من المشاركة في بناء أوطانهم ومجتمعاتهم. في هذا السياق أشير بما حققته الثورة التونسية من نجاح دون اراقه دماء فلم يسقط قتيل واحد على ايدي أجهزة الأمن، رغم المظاهرات الشعبية العارمة التي استمرت أسابيع. فتونس التي تقدم نموذجاً مختلفاً في التعددية والتداول السلمي للسلطة، يستهدف الارهاب تجربتها الديمقراطية الناجعة. لذا يتعين على المجتمع الدولي تقديم كافة أوجه الدعم للجمهورية التونسية فمكافحة الارهاب لم تحقق أهدافها المرجوة إذا لم يتم دعم النماذج السلمية التعددية كما يتعين دعم مسارات التنمية المستدامة للشعب التونسي الشقيق. وأشير هنا إلى أن دولة قطر طرفا فاعلا لتنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وكانت ولا زالت تشدد على وجوب التوصل إلى اعتماد معاهدة شاملة تشتمل على تعريف محدد للإرهاب وعدم ربطه بدين أو عرق أو ثقافة معينة مع التمييز بوضوح بين الارهاب والحق المشروع للشعوب في الكفاح من أجل الحرية والاستقلال. السيد الرئيس،،، يواجه المجتمع الدولي تحدياً آخر في مجال حقوق الإنسان وهو العدائية والكراهية للأخر وإذ تتمسك دولة قطر بضرورة تعزيز حرية التعبير والحق في الإعلام الحر، فإنها ترفض رفضا قاطعا، استعمال هذه الحرية وهذا الحق، كوسيلة لتبرير التحريض على الكراهية والحقد والمساس بأي معتقد لمجموعة بشرية ما. وفي هذا السياق فإن الربط المتكرر والخاطئ بين الإسلام وانتهاك حقوق الإنسان والإرهاب سبب رئيسي في تشويه صورة الدين الإسلامي، كما أنه يضر بالجهود التي تبذلها الدول الإسلامية في محاربة التطرف والعنف. لذا فإن جهود الدعوة إلى تصحيح الأفكار الخاطئة ليست مطلوبة فقط من البلدان الإسلامية وانما الجميع مطالبون بمحاربة التطرف والتعصب والكراهية التي تقود إلى الصراع والإرهاب. إن ما نأمله حقا هو إيجاد مجتمع دولي يسوده التسامح والاحترام المتبادل بين أصحاب كل الديانات، ويعترف بالحقوق والمسؤوليات بنفس القدر. وأشير هنا إلى أن مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان نظم في شهر فبراير الحالي مؤتمره الثاني عشر الذي مثل فرصة سانحة للتباحث حول عدد من الموضوعات المهمة التي تهدف الى التصدي لخطاب الكراهيةٌ والتشدد والغلو بكل أشكاله ومصادره، وتغليب لغة الحوار والتسامح على لغة العنف والكراهيةٌ والتعصب وازدراء الأدياٌن ومعتنقيها. السيد الرئيس،، إن تعزيز وحماية حقوق الإنسان أضحى خياراً استراتيجياً لدولة قطر تعمل على تحقيقه من خلال ارساء دعائمه على المستوى الوطني وعبر الجهود الاقليمية والدولية. وفي هذا الصدد قامت دولة قطر باعتماد العديد من التدابير التشريعية المتصلة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان من بينها على سبيل المثال صدور القانون رقم (1) لسنة 2015م بتعديل بعض أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 2004م والقانون رقم (21) لسنة 2015م بتنظيم دخول وخروج الوافدين واقامتهم، حيث عززت هذه التشريعات من الحماية الدستورية والقانونية لحقوق العمالة الوافدة وفقاً للمعايير والالتزامات الدولية بموجب الاتفاقيات الدولية المنضمة إليها الدولة. ولا يفوتني في هذا المقام أن أشيد بالدور الكبير الذي تضطلع به العمالة الوافدة في النهضة التنموية لدولة قطر، وأؤكد في هذا الخصوص حرص دولة قطر على تعزيز وحماية حقوقهم وتوفير بيئة العمل الملائمة لهم. وفي سبيل تعزيز الإطار المؤسسي لحقوق الإنسان في الدولة صدر القانون رقم (12) لسنة 2015م، الذي منح اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان مزيداً من الاستقلالية وأحاطها وأعضائها بسياج من الحصانة والضمانات القانونية التي نصت عليها مبادئ باريس وذلك لتمكين اللجنة من أداء عملها ومهامها التي كفلها لها القانون بكل حرية وشفافية. كما أن الدولة تعكف حالياً على إعداد الخطة الوطنية لحقوق الإنسان وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر عام 2014م. وفي إطار حرص الدولة على المساهمة بفاعلية في الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز حقوق الانسان والأمن والسلم، فقد استضافت العديد من المؤتمرات والاحداث الدولية الكبرى التي تهم المنطقة، منها المؤتمر الإقليمي حول "دور المفوضية السامية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان بالمنطقة العربية" في منتصف شهر يناير الماضي. السيد الرئيس،، لقد مَثل اعتماد أجندة التنمية المستدامة 2030 مؤخراً نقطة تحول جوهرية في جهود التنمية الدولية، وانطلاقا من الارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والتنمية فإن الأخذ بمنظور حقوق الإنسان في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة يجعل من هذا المجلس رأس الرمح في جهود انفاذ هذه الاهداف وذلك عن طريق توفير منبر للنقاش البناء وتبادل أفضل الممارسات والوقوف على التحديات للتغلب عليها، وتعزيز التعاون الدولي عن طريق الشراكات المنصفة والعادلة. وفي إطار جهودها في تحقيق التنمية وانفاذ الأهداف الانمائية تولي دولة قطر اهتماماً بالغاً بالتعاون الدولي وتقوم في هذا الصدد بتنفيذ عدد من البرامج التي من شأنها أن تمكن العديد من البلدان النامية من اللحاق بركب التنمية. وفيما يتعلق بالتنمية الوطنية فإن المواطن القطري يأتي في مقدمة أولويات الدولة وفق التوجيهات السامية لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى. وهذا ما كرسته رؤية قطر الوطنية 2030 والاستراتيجية الوطنية 2011-2016م. وأشير هنا إلى أن دولة قطر احتلت المرتبة الأولى عربياً، والمرتبة الثانية والثلاثون عالمياً في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في شهر ديسمبر 2015م. في الختام نؤكد على التزامنا بمواصلة التعاون مع هذا المجلس باعتباره الآلية الأمثل والأنسب لتعزيز وحماية حقوق الانسان، ودعم جهوده للاضطلاع بولايته ودوره بكل فاعلية واقتدار. أشكركم على حسن الاستماع،، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،