أصحاب السعادة، السيدات والسادة.
أشكركم على المشاركة معنا في هذا الاجتماع. ويسرنا في دولة قطر أن نواصل تعاوننا مع شركائنا في ليشتنشتاين في هذه المسألة ذات الأهمية الكبرى، وأخص بالذكر سعادة السيدة اروليا فريك، وزيرة خارجية ليشتنشتاين. كما أود أن أرحب بمشاركة القاضية كاثرين مارشي-أوهيل، رئيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سوريا منذ مارس 2011، وأعبر عن تمنياتنا لها بالنجاح في مهامها ونعرب عن دعمنا التام لها في ذلك.
إن للأزمة السورية جوانب عديدة حازت على اهتمام المجتمع الدولي، ونحن في دولة قطر كغيرنا دعونا إلى الحل السياسي الشامل للأزمة منذ البداية، وأيّدنا المبادرات لوقف العنف، ودعمنا الجهود الدولية لمنع الإرهاب والتطرف، وأعربنا عن القلق والإدانة لاستخدام الأسلحة الكيميائية، ولم تألو دولة قطر جهداً في تقديم المساعدات للتصدي للاحتياجات الإنسانية الهائلة للأشقاء السوريين، وشددنا دائماً على أهمية وقف الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. إن جميع هذه المسائل لا زالت مسائل هامة تستحق الاهتمام.
إن أكثر من ست سنوات منذ بداية الأزمة لم تدع مجالاً للشك في أن النظام القضائي الوطني في سوريا غير قادر أو ليس لديه الرغبة في ملاحقة أي طرف ارتكب أياً من الجرائم الوحشية في سوريا. كذلك تقاعس المجتمع الدولي في إحالة الملف السوري بشأن هذه الجرائم وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ومن هذا المنطلق جاءت مساعينا بالشراكة مع مجموعة أصدقاء المساءلة للتوجه للجمعية العامة من أجل إنشاء آلية دولية محايدة مستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة، وذلك انطلاقا من حرصنا على تحقيق مبادئ العدالة، وإدراكنا أن أي انتقال سياسي أو حل سياسي من دون مساءلة المتورطين في ارتكاب أخطر الانتهاكات والجرائم، لن يؤدي إلى نتيجة ناجعة ومستدامة.
ولا شك أن اعتماد قرار الجمعية العامة رقم 71/248 كان خطوة هامة، وكان التحرك الأول من نوعه من قبل الجمعية العامة لضمان العدالة للضحايا وللناجين من الجرائم الخطيرة واسعة النطاق، ولمعالجة مظالم الشعب السوري، ولوضع حد لدوامة الانتقام والعنف. وعلينا أن ندرك أن إنشاء الآلية ليس خاتمة جهودنا، بل على العكس يعد بداية لمرحلة جديدة يتم فيها تفعيل الآلية لتحقق النتيجة المتوخاة منها. وفي هذا الإطار، واصلنا الاجتماعات والمساعي لضمان تفعيل الآلية، وقدمت دولة قطر خلال السنة الأولى من تشغيل الآلية تبرع مالي بمبلغ مليون دولار لصالح الآلية. وأشكر جميع الدول التي قدمت الدعم المالي للآلية الدولية، ونحث جميع الدول والجهات المعنية على توفير كل الدعم اللازم لتمكين هذه الآلية الهامة من تنفيذ ولايتها على أفضل وجه.
ويسرنا أن نرى التقدم الذي تم في إعداد اختصاصات الآلية وتشغيلها بما في ذلك تولي السيدة مارشي-أوهيل رئاستها. ونشيد بجهود السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في هذا الخصوص.
كما نتطلع إلى العمل بجدية من أجل ضمان التشغيل المناسب والفاعلية للآلية الجديدة، وكذلك تفعيل التنسيق والتعاون ما بين آلية الأمم المتحدة الدولية المحايدة والمستقلة، ولجنة التحقيق الدولية.
إننا على يقين أن اليوم الذي سوف يحاسب فيه العالم المتحضر نفسه على صمته أو التراخي منذ بداية هذه الأزمة في معاقبة مرتكبي هذه الجرائم ليس بعيداً.
السيدات والسادة،
لا شك أنكم اطلعتم على تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الصادر هذا الشهر، حيث أكد مسؤولية قوات النظام السوري عن استخدام أسلحة كيميائية في خان شيخون التي وقعت في شهر أبريل الماضي. ويجسد استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين في تلك البلدة مثالا على الجرائم التي كانت الدافع لإنشاء الآلية الدولية المحايدة والمستقلة. وتضاف تلك الجريمة إلى سلسلة جرائم النظام السوري في استخدام الأسلحة الكيميائية في خان شيخون وغيرها من المناطق السورية.
إن جرائم الفظائع الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي، لا تسقط بالتقادم. لذا فإن معاقبة مرتكبي هذه الجرائم باتت أمراً ملحاً كضرورة إنسانية قبل أن تكون ضرورة قانونية وهذا ما يستدعي مضاعفة الجهود لتفعيل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لكي تكون رادعا لتكرار مثل هذه الجرائم.
أشكركم على حسن الاستماع،